مئات الأساتذة وآلاف الطلاب تعاقبوا على كليات الجامعة اللبنانية – الفرع الخامس في صيدا. وحده أحمد الخطيب لا يزال، منذ عام 1983، يداوم عند مدخل مجمع الكليات. بائع الكتب القديمة والطوابع، يفرش «بضاعته» قبالة المدخل الرئيسي، حيث «سأبقى ما دمت حياً»، من السابعة صباحاً إلى الرابعة عصراً في أيام الدراسة.
بسطة «أبو جمال» الصامدة أمام غزو المكتبات الحديثة ومراكز بيع الكتب وتصوير المستندات لا تزال تجتذب الطلاب الذين نشأت بينهم وبينه «صداقة». يحفظ وجوه الطلاب، القدامى كما الجدد، والأساتذة الذين كانوا يوماً طلاباً، إذ «إنني الزميل الأقدم وأعرف كل شيء عن الجامعة حالياً وسابقاً». لهذا يصفه البعض بـ«أرشيف الجامعة».
الطلاب الجدد يتعرفون إلى الرجل السبعيني قبل إن يتعرفوا إلى صفوفهم. وهو يعرف كيف يجتذبهم بمزاحه المطعّم بعبارات بالإنكليزية وبـ«الطقم المقلّم» الذي مرّ عليه الزمن.
«عندما تقول أبو جمال يعني الجامعة» تقول هبة حسون، الطالبة في كلية العلوم الاجتماعية. وهو يؤدي دوراً في جذب الجيل الجديد نحو المطالعة. إذ إن «معظمنا بالكاد يقرأ كتب المناهج المفروضة. لكن أبو جمال يستفزنا لمطالعة عناوين الكتب الفكرية والسياسية والأدبية» بحسب جميلة، طالبة علم النفس.
«معظم طلاب هذه الأيام لا يقرأون» يجزم الخطيب. لكنه لا يملّ من نقر آذان الطلاب بعبارته المكررة: «لم يكن مصير العرب هكذا لو أنهم يقرأون». وهو نفسه أبرز زبون لكتبه. يمضي ساعات يومياً في القراءة: «أميركا والعرب»، «العلاقات السياسية في القرن العشرين»، «ستالين الشاب زعيماً ولصاً وكاهناً وزير نساء»، «موسوعة عمان الوثائق السرية»...
ابن بلدة الخالصة الفلسطينية المحتلة (إحدى القرى السبع عند حدود الجنوب) اختار التكنّي بلقب «أبو جمال» حباً بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر. دخل «المهنة» عام ١٩٦٢ في كشك في شارع فخر الدين في السوق التجاري في صيدا، ثم في مكتبة ناصر العربية التي جرفها الاحتلال الإسرائيلي. بعدها باع الصحف على دراجة نارية حتى أخذته الدروب إلى أمام الكلية. «كانت الأفكار التحررية تقود الطلاب كما المديرون والأساتذة نحو نهم المطالعة. الأمر اختلف الآن» يتحسر الخطيب. إذ إن «الواتساب والإنترنت أخذا حيزاً كبيراً من نشاطهم الفكري».