قرار جديد لوزير الثقافة غابي ليون بهدم احد الأبنية التراثية التي تحدّد معالم مدينة بيروت وتاريخها، والقائم على العقار رقم ٣٦٩٦ من منطقة المزرعة العقارية. المبنى، الذي كان شاهداً على أحداث لبنان في مراحل الخمسينيات والستينيات، وشكّل ملتقى السياسيين اللبنانيين خلال مراحل الخمسينيات، ولد وترعرع في الطابق الثاني منه الروائي اللبناني والعضو في «الأكاديمية الفرنسية» أمين معلوف (1949).
هي ليست المرة الأولى التي يبادر فيها الوزير ليون إلى التوقيع على قرارات بجرف المواقع الأثرية والأبنية التراثية وهدمها، وأشهرها الموقع الفينيقي في العقار رقم 1398 من منطقة ميناء الحصن العقارية.
يدافع ليون عن القرارات التي يتخذها باعتبارها «تصحيحاً للخطأ» الذي وقع فيه أسلافه في الوزارة، والتي «لا تستند إلى التقارير العلمية الرصينة والخبراء المشهود لهم في علم الآثار» وفق ما أعلن في أكثر من مؤتمر صحافي. لكن للعقار رقم ٣٦٩٦ رواية جديرة بالقراءة، لأن ليون لا يناقض، هذه المرة، قرارات أسلافه، سليم ورده وتمام سلام وطارق متري، بل يناقض نفسه. تمتلك العقار ٣٦٩٦ شركة كتانة للمشاريع العقارية. وقد طلبت الأخيرة من المديرية العامة للآثار في كتاب حمل الرقم ١٥٢ تاريخ ١٢/١٢/ ٢٠١١ الكشف على العقار المذكور تمهيداً للموافقة على هدمه بهدف إنشاء مشروع عقاري جديد.
وفي رسالة تحمل الرقم ٣٠٠٢، تاريخ ٢٢ حزيران ٢٠١٢، خاطب الوزير غابي ليون المهندس جيرار الترك بالوكالة عن شركة كتانة للمشاريع العقارية، مبلغاً قرار وزارة الثقافة ــ المديرية العامة للآثار بعدم الموافقة على هدم المبنى كونه «يمثل نمطاً هندسياً مدينياً متميزاً لا يزال يحتفظ بفرادته الهندسية، بالإضافة الى احتلاله موقعاً مهماً ضمن أبنية ترسم حقبة التطور الهندسي المديني المميز في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين».
وبحسب رسالة ليون، الممهورة بختم المديرية العامة للآثار، جاء قرار منع هدم المبنى نتيجة الكشف الذي قامت به المديرية. وقد تبيّن لها أن البناء القائم على العقار المذكور والمؤلف من خمس طبقات، «ينتمي إلى نمط الأبنية المدينية لمرحلة أربعينيات القرن العشرين، وهو يتميز بتشكيله الهندسي الذي يتبع النمط التقليدي ذا البهو الوسطي ضمن بناء متعدد الطوابق ومتاثر بالهندسة الغربية من حيث تشكيل الواجهات ومواد عناصرها كالقناطر الخارجية والبرغولا الاسمنتية، ومن ناحية عناصره الداخلية كالعقد والفتحات والرسومات والجفصين والسواكف وببلاطه التراثي بالاضافة إلى الحديد المشغول للابواب والشبابيك». ويضيف كتاب ليون «يقع العقار ضمن المحيط المتجانس لمنطقة بدارو وطريق الشام حيث يشكل المبنى القائم عليه جزءاً من مجموعة ابنية منسجمة ومتراصة».
لم يصمد قرار ليون بمنع هدم المبنى سوى أربعة أشهر! ففي رسالة تحمل الرقم ٤٩٧٣ تاريخ ٢٢ تشرين الأول ٢٠١٢، خاطب الوزير ليون شركة كتانة مجدداً معلناً موافقته على هدم البناء القائم على العقار رقم ٣٦٩٦.
يشكل قرار ليون الجديد دليلاً اضافاً على الاستخفاف بعقول المواطنين، وعلى تهميش الموظفين الرسميين في مديرية الآثار، وأبرزهم المهندس خالد الرفاعي المكلف بالإشراف على الأبنية الأثرية، والآثارية أسامة كلاب، لحساب اللجنة الاستشارية التي ألّفها وتضم الخبراء: سمير الشامي، ألبير نقاش وحسان سركيس. ويبدو من الواضح أن أعضاء هذه اللجنة قد برهنوا في غالبية القرارات التي اتخذوها، انهم باتوا شهود زور على حقبة تدمير ما تبقى من آثار بيروت.
هكذا وبعدما كان منزل أمين معلوف «يمثل نمطاً هندسياً مدينياً مميزاً» اكتشف ليون ومستشاروه ان «البناء يعود الى المرحلة الانتقالية لعمارة فترة الانتداب الفرنسي». ويضيف الوزير الزحلاوي «لا يتميز البناء من ناحية عناصره الهندسية بتقنيات تراثية او تقليدية!». وبعدما كان المبنى «يشكل جزءاً من مجموعة ابنية منسجمة ومتراصة»، تحول في شخطة قلم، الى «مبنى قائم في محيط يغلب عليه وجود عدد من الأبنية الحديثة المرتفعة التي ترسم الطابع المعماري والتخطيطي العام للشارع».
أسئلة عديدة يجب على وزارة الثقافة أن تجيب عنها. لماذا لم تبد اللجنة الاستشارية رأيها في الرسالة الاولى التي قررت منع الهدم؟ وأي صفقة تقف وراء قرار الهدم؟ ولحساب من؟

للاطلاع على النص الكامل للقرارين أنقر هنا .