رشا أبو زكي
الحرب الدائرة بين إدارة فندق السان جورج وشركة سوليدير يعتبرها صاحب الفندق فادي خوري قصة احتلال دامت أكثر من 11 عاماً، فيها غرائب وعجائب، وتعديات ومخالفات... أما سوليدير فلم ترد الإجابة عن أي سؤال طرحته «الأخبار» عن هذا الموضوع مكتفيةً بالقول عبر مسؤولها الإعلامي «ليس لدينا شيء نقوله حول الموضوع»، وختمت تهرّبها بإقفال الخط!

تأسس فندق السان جورج في مطلع الثلاثينيات. اشتراه والد صاحب السان جورج الحالي فادي خوري في مطلع الخمسينيات، ثم تسلمت والدته إدارة الفندق. احترق خلال الحرب الأهلية وأعيد ترميمه، ثم احتله السوريون حتى منتصف التسعينيات، ليعيد خوري تشغيله بعد إخلائه. وكان البحر المواجه لفندق السان جورج عبارة عن مارينا لليخوت موجودة على الخرائط العالمية. وبدأت مشكلة السان جورج مع شركة سوليدير في عام 1993 حين حاولت الشركة التوسع خارج النطاق الذي حدده قانون إنشاء الشركة الصادر في عام 1992. ويقول خوري إنه يوجد العديد من الخرائط والكتب والمراسيم التي تؤكد أن حدود أعمال شركة سوليدير لا تتخطى اليابسة الى البحر. وكانت المنطقة البحرية في محيط فندق السان جورج مقسّمة الى 3 أجزاء، واحد لسوليدير الموجودة على شرق السان جورج، وآخر لمستأجر اسمه ميشال نادر اشترت إدارة السان جورج المساحة التي كان يستأجرها من الدولة، إضافة الى الجزء المخصص للفندق والمسبح.

صدور مرسوم الإعمار

وبدأت شركة سوليدير بمحاولاتها للتوسع خارج نطاقها، والتمدد إلى منطقة السان جورج، ويشير خوري الى أن هدفها كان السيطرة على مسبح وأوتيل السان جورج لإزالته من طريقها وإكمال توسعها. في منتصف التسعينيات طلبت إدارة السان جورج من الحكومة إصدار مرسوم لتهديم المبنى وإعادة تشييده، إلا أن مماحكات الحكومة أدت الى توجه خوري الى بلدية بيروت لطلب إذن بترميم مبنى الفندق، ويقول خوري إنه بعدما علمت سوليدير وبعض أركان الحكومة بهذا الموضوع، صدر المرسوم بعد سنة من إغفاله، وهو يسمح بهدم السان جورج وإعادة إعماره على أساس أن يتكوّن الفندق من ستة طوابق للغرف بدل الطوابق الأربعة الموجودة، إضافة الى الطابق الأساسي والطابق الفارغ، وذلك وفق مخطط هندسي جديد، على ألا يزيد ارتفاع المبنى عن الارتفاع الحالي، وهذا موضوع كان صعباً لأنه يوثر على ارتفاع الغرف، وسمح المرسوم بأن يكون للفندق مارينا لليخوت، وهذا المشروع كان نوعاً ما جيداً.

«الطبخة» بين سوليدير والحكومة

ويتابع خوري أنه ما إن صدر المرسوم بدأت سوليدير بالهجوم على إدارة السان جورج، على الرغم من أن سوليدير كانت مشاركة عبر رئيس مجلس إدارتها ناصر الشماع في المحادثات التي أدت الى إصدار المرسوم، فهو لم يصدر بالخفاء عنهم. ويقول «هكذا كنت أعتقد ولم أكن أعرف كم ترتبط سوليدير بالحكومة، وكم تتشابك مصالحهما». ويضيف أنه «بما أن المرسوم صدر بوجودهم ومعرفتهم فهذا يعني أن الطبخة كانت مع الحكومة، واليوم أؤكد أن سوليدير هي الحكومة الحقيقية». ويشير خوري الى أنه بعد صدور المرسوم زارني الشماع، وبدلاً من تهنئتي قال لي «إذا أردت تنفيذ وتطبيق المرسوم سينشب خلاف بيننا»، وذلك على الرغم من أن هذا المرسوم هو حق للسان جورج لكونه الوحيد الذي يملك حقوقاً على الأملاك البحرية العمومية، وقد كان تصرف الشماع يشبه الى حد بعيد اكتشاف شخص وجود خلاف جوهري مع عروسه في اللحظة الأخيرة قبل زواجه بها.

مرسوم للتحايل

ويؤكد خوري أن «سوليدير تريد المنطقة بكاملها، وكانت بالتواطؤ مع الحكومة تتحايل علينا، فالمرسوم الذي صدر سمح لسوليدير أن تختلف معنا وترفع دعاوى علينا لكونها تملك مرسوماً يسمح لها بالوجود قربنا. وزعمت سوليدير أن حصول السان جورج على مساحة لليخوت في البحر سيضرب مصالحها، لكونها أنشأت على المسطح المائي مارينا لليخوت». ويلفت الى أن «المرسوم يحدد لهم أن يأخذوا مسطحاً مائياً، لا أن يأخذوا كامل المسطح المائي في المنطقة لانتزاع السان جورج من الوجود، وأنا قلت إن للسان جورج حقوقاً في الأملاك البحرية، وإن كانت سوليدير ستأخذ مسطحاً فلا يجب أن يقترب من السان جورج، وإذا كان الهدف حصر المسطح المائي بطرف واحد فيجب حصره بالسان جورج لأنه من حقوقه».

إلغاء المرسوم!

ويتابع خوري أن «الخلاف بدأ يشتعل بين السان جورج وسوليدير، وخصوصاً بعدما أكّدتُ للشماع أننا لن نتنازل عن حقوقنا، فرفعت سوليدير دعوى الى مجلس شورى الدولة تطلب فيها إلغاء المرسوم، إلا أن الحكومة آنذاك لم تنتظر حكم مجلس الشورى الذي من الممكن أن يمتد لسنوات قبل صدوره فقامت بإصدار مرسوم يلغي المرسوم الأول بعد نحو 7 أشهر من إصداره. وكان ذلك نتيجة تأكد الحكومة وسوليدير من أننا لن نتجاوب مع الدعوات التي تطالبنا بالتخلي عن المارينا، في مقابل السماح لنا بإعادة تشييد الفندق. وكان المرسوم الأول بمثابة فخ من الحكومة وسوليدير المتواطئين بوضوح، لترغيبنا في التخلي عن حقوقنا». ويضيف «أُلغي المرسوم، والبلدية التي كنا نعوّل عليها في إعطائنا إذناً للترميم، رفضت طلبنا بناء على مكتوب خطي من رئاسة مجلس الوزراء الذي دعاها الى التريث في إعطاء الرخص، أما المبرر الحقيقي فهو إعطاء صلاحيات واسعة لسوليدير للهيمنة نهائياً على بيروت وعلى السان جورج وعلى أراض أخرى».
ويشير خوري الى أن «إدارة السان جورج بدأت ترفع الدعاوى على سوليدير، في المقابل بدأ سيل المراسيم الحكومية يتراكم لمصلحة سوليدير، وبعدما كان قانون سوليدير يحصر عملها بوسط بيروت، أصبحت هذه الشركة بفعل المراسيم الجديدة دولة عظمى، لا يرفض لها طلب». ويلفت خوري الى أن «معظم هذه المراسيم تتضمن أخطاء قانونية، وأن المراسيم الأساسية لم يوقّعها وزير النقل لكونه كان يعرف القانون اللبناني الذي يحدد حقوق المواطن على الأملاك البحرية، والذي يشير الى أنه إذا كان لأي مواطن أملاك على البحر فله الحق بالطلب من الدولة استثمار مياه الأملاك العمومية البحرية المواجهة لأملاكه بمساحة تكون ضعفي مساحة الأملاك المبنية على الشاطىء، وتستطيع الدولة إعطاء مساحة أكبر. ونحن لدينا حقوق بالاستثمار ومعطاة لنا بعدة طرق، منها مرسومان قديمان للسان جورج ومرسوم للمستأجر. إلا أن الحكومة ألغت كل المراسيم التي تمنح الحقوق للسان جورج والصادرة منذ عام 1932».
آخر التعدّيات ويقول خوري إن «سوليدير تعدّت على حقوق السان جورج، وقامت بمحاولات عديدة لإغلاق المساحة البحرية المواجهة للفندق والمارينا، ووضعوا قواطع حديدية داخل البحر لإغلاق المنفذ البحري المؤدي الى الفندق، وبعد الانفجار الذي طال رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري أمام السان جورج، توقفت عن الكلام واعتبرت أن ذلك «عيب»، وطلب الشماع أن نجتمع. ذهبت الى سوليدير، واجتمعت مع مجلس إدارتها، وفصّلت مشكلتي، وقلت إنه ليس من الضرورة أن يتعدّوا على السان جورج، إلا أنهم ردّوا عليّ بأنه إذا تنازلت عن حقوقي فعندئذ تتوقف الحرب في ما بيننا».
ويتابع «انتظرت أن يتصرفوا تصرفاً جيداً إلا أنهم لم يفعلوا شيئاً للتراجع عن الاحتلال الذي ينفذونه خارج حدود السان جورج وداخلها، وبعدما أغلقوا الطريق أمام الفندق سنتين ونصفاً لأغراض التحقيق، مع أن هذه المدة تقلصت في الانفجارات الأخرى لأقل من شهرين، وبعد الأضرار التي لحقت بنا من جراء الانفجار، فتحت الطريق، ووضعت سوليدير حبالاً أمام شاطئنا لكي تمنع اليخوت من الوصول الى السان جورج، قطعنا هذه الحبال مرات عدة، فعاودوا وضعها». ويضيف خوري «لم تكتف سوليدير بالتضييق علينا، بل منعتنا أخيراً من إنزال شختورة الى البحر، ووضعوا عدداً من عناصر الدرك لمراقبتنا، بحجة أن القاطع الخشبي الذي يفصل الشختورة عن البحر هو أملاك عمومية، فقمنا باستخدام ونش لنقلها الى البحر، عندها عمدوا إلى وضع شختورة أخرى في المكان الذي يفترض أن ننزل فيه شختورتنا!».

لا رادع ولا محاسب

ويلفت خوري الى أن «المرسوم رقم 7660 الصادر في 1995 يقول إن المخطط التوجيهي العام لمنطقة السان جورج يوجِد فيها عدة أجزاء مقسمة كالتالي: جزء لفندق سان جورج، وآخر للمستأجر، وآخر مرأب للسيارات، إضافة الى جزء مخصص لممرات العموم... هذه الأجزاء ردمتها سوليدير بطرق مشروعة وغير مشروعة. ويلحظ المرسوم أنه يوجد مرفآن على الأملاك العمومية البحرية لا 3 مرافىء، ولكن سوليدير تعدّت على هذا المخطط وهي تهيمن وتسيطر على البحر بطريقة غريبة وغير مفهومة. وسوليدير تقوم بتغيير معالم المرفأ ولا تلتزم بالمخطط التوجيهي».
ويلفت الى أنه يجب أن توجد في المرفأ معدات وتقنيات خاصة، إلا أن هذا المكان المخصص للمعدات، استُثمر عقارياً مع شركة أخرى، وتخطط سوليدير لبناء فندق على جزء تعدّت عليه خلافاً للقانون، وهذا الجزء مواجه للسان جورج داخل البحر، وقد وعدني الشماع بأن يجعل السان جورج قزماً، وقال إنه سيبني فندقاً ضخماً في منطقة السان جورج، ويمنعنا من تشييد فندقنا».
ويتابع «لقد حُرّر محضر ضبط بحق سوليدير بسبب هذه المخالفة بقيمة 83 مليار ليرة حين كانت متعدية على 15 ألف متر في البحر، إلا أن هذا الضبط أُلغي من دون مرسوم وزادت سوليدير التعدي ولا أحد يسأل». ويتابع أن «سوليدير تستملك أراضي لم تدخل في القانون الأساسي لتأسيسها، ويوجد ردم إضافي للبحر وعلى الشركة أن تعطي 35 في المئة منها للدولة، إلا أن ذلك لا يحصل، ويوجد قطع تزيد على الردم الإضافي ويجب أن تتوقف وتعاد للدولة، وهي مبيعة ويعمرونها».



خارج خريطة التعويض

وقع الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مكان ملاصق لفندق السان جورج، وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت به، إلا أن الحكومة لم تعوّض عن شيء من الخسائر، فيما عُوّضت خسائر كل المؤسسات والفنادق الموجودة في المنطقة المحاذية لموقع الانفجار. ويلفت فادي خوري الى أن رفيق الحريري بعث رسائل إليه تقول إنه يرغب في شراء الفندق إلا أن الرفض كان هو الجواب الدائم. ويشير الى أنه سيبقى يقاوم الاحتلال «السوليديري» الى أن يعيد الحياة الى الفندق وفقاً لوصيّة والدته.