فادية حطيطماذا يأخذ أطفالنا من التلفزيون؟ تقول لنا الدراسات إن تفاعل الأطفال مع المعرفة المقدمة لهم في تجاربهم أو في مشاهداتهم للتلفزيون، يتأثر حكماً بمستوى إدراكهم. لذلك يختلف الأطفال بحسب نموهم في فهمهم رسائل البرامج التلفزيونية، وليس بوسعنا التنبؤ بما سيصل إليهم من هذا البرنامج أو ذاك. حتى البرامج العلمية البحتة، فإن الأطفال الصغار سيفهمون مضمونها انطلاقاً من وعيهم المصبوغ بالعاطفة. فالصغار (والكثير من الكبار أيضاً) لا يستطيعون الفصل ما بين المعلومة والموقف. المعلومة حين تصل في وضعية إيجابية ستكون مقبولة، أما حين تأتي في وضعية سلبية فستكون مستنكرة. حين نضع شريراً في مسلسل ما ليس علينا أن نضع حكمة على لسانه لأنها ستأخذ معنى مغايراً، كما أنه ليس علينا أن نضع الأشياء المرفوضة على لسان البطل، لأن الطفل سيأخذها بوصفها أمراً إيجابياً. إن الأطفال يتماهون أو يحاولون التشبه بالبطل مهما كانت المعلومات التي يقدمها لهم صحيحة أو خاطئة.
ويلعب الأهل، وخصوصاً في السنوات الأولى من عمر الأطفال، دور القطب الجاذب الأساسي والأهم للأطفال. والرسائل المعرفية والوجدانية التي تأتي عن طريقهم هي الأكثر مصداقية بالنسبة إلى أطفالهم. ولكن تدريجياً يصير هناك عوامل جذب أخرى، منها التلفزيون، فيصبح ما يبثه من رسائل لها أهمية موازية وأحياناً تزيد عما يقدمه الأهل. من هنا نسمع تربويين عديدين ينصحون بعدم مشاهدة الأطفال في عمر ما تحت السنتين للتلفزيون. لأن الطفل في هذا العمر يحتاج إلى التفاعل وإلى بناء علاقات إنسانية دافئة مع المحيط. وحين يستسهل الأهل وضع الطفل أمام شاشة التلفزيون فإنهم يحرمونه من إمكانية التفاعل مع الناس ومع الأشياء المادية المحيطة به. ومع أن التلفزيون يلعب دوراً هاماً في التثقيف والترفيه، إلا أن غيابه في أول سنتين من العمر لن يمثّل خسارة فادحة بالمقارنة مع ما يمكن أن يكتسبه الأطفال من تفاعلات شخصية أخرى. إضافة إلى أن ثمة دراسات تربط ما بين الاضطرابات الإدراكية والحركية ومشاهدة التلفزيون، نظراً إلى تعود الذهن على مشاهدة المرور السريع للمعلومة والانقطاعات العديدة فيها، مما يجعل من الصعب التأني في التلقي والتركيز في الفهم ومن ثم ضبط السلوك.
وفي العمر اللاحق، ينصح هؤلاء التربويون بوجود الأهل مع أطفالهم حين يشاهدون التلفزيون والانتباه لما يتلقاه هؤلاء وحفز أبنائهم على التفكير فيه واتخاذ موقف منه، مما يعمل باتجاه جر التلفزيون ليكون مساعداُ بدلا من أن يكون عائقاً في تنشئة الأطفال.
في الخارج يناقشون كثيراً ما يقدمه التلفزيون لأبنائهم. يتكوّنون في جمعيات وهيئات محلية ووطنية ويراقبون ما يقدم ويمثّلون رقابة صارمة. أما عندنا فالموضوع، مثله مثل الكثير من المواضيع الحياتية الأخرى، لا يلقى الاهتمام اللازم، ربما لأن الناس هنا مشغولون بالقضايا «الكبرى»، مثل العولمة واقتصاد السوق والانتخابات، أما القضايا «الصغرى» المتعلقة بالأطفال ومستقبلهم فيكفي أن ندعو لها بحسن العواقب.