فادية حطيطأنظر حولي فأرى شابات جميلات جامعيات متمكّنات ومستقلات. البعض منهن يكملن مسارهن التعليمي والمهني غير آبهات بأنهن يقتربن من الثلاثين دون زواج ولا من يحزنون. والبعض الآخر يبادر إلى نسج علاقات قد تثمر زواجاً وقد لا تتخطى حدود تمضية الوقت والاستمتاع بالصحبة. وما يثير اهتمامي هو ذلك التفاوت الذي ألاحظه مستجداً ما بين «مستويات» الشابات والشبان الذين يدخلون في مشاريع الزواج. فهذه صبية جميلة ومتخرجة من جامعة مرموقة ولديها مهنة جيدة تتزوج من شاب أقل منها تعليماً ومتخرج من جامعة أقل رتبة. وتلك صبية أنهت تعليمها الجامعي واستقلت، ترتبط بشاب لم يدخل إلى الجامعة أصلاً. وصبية أخرى تراها تخطط للزواج من شاب فقير الحال وتأخذ في اعتبارها أنها ستساعده مادياً لكي يستطيع الاعتماد على نفسه لاحقاً.
كثيرة هي الحالات من هذا النوع حيث تبدو الفتيات ممسكات بمقاليد العلاقة وقادرات على توجيهها أكثر مما يستطيع الشبان. وبالطبع هناك أسباب كثيرة لهذا التفاوت. فكما بات معلوماً، يتخطى عدد الشابات في الجامعة عدد الشبان، كما أنهن يتفوقن في النجاح بالمقارنة مع هؤلاء، إضافة إلى التزام الشابات بعملهن وإتقانه والترقي فيه، مع أنهن قد لا يتقاضين بالضرورة رواتب توازي جهدهن، دون أن ننسى أخيراً السبب الأساسي وهو تزايد هجرة الشبان الأكثر كفاءة.
ما يعنينا هنا أن الفتيات يخترن شركاء يبدون أقل مهارة وتمكناً دون أن يسبب ذلك لهن أي حرج. تسأل الشابة فتقول لك «يهمني أن يكون حساساً ومتفهماً ومسؤولاً أما الباقي فلا يهم». تماماً مثلما كان الشاب «قديماً» يقول: «يهمني أن تكون جميلة وابنة عائلة وست بيت أما الباقي فلا يهم». يبدو لي أن هناك قلباً للأدوار. فالفتاة صارت متمكنة ولم تعد راغبة بشروط تجعلها تنال اعترافاً اجتماعياً من خلال الارتباط بشخص من مستوى عالٍ. فلقد صار بمقدورها أن تحدد المستوى الاجتماعي للأسرة التي ستساهم في إنشائها.
اكتفت الدراسات السوسيولوجية في السابق بالسؤال عن المستوى التعليمي للأب وعن مهنته من أجل معرفة الفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة. بعض الأسر مثلاً كانت توضع بسهولة في فئة الطبقة الاجتماعية الأدنى إذا كان الأب عاطلاً من العمل ولم يتخطّ المستوى الابتدائي من التعليم، حتى لو كانت الزوجة موظفة ومستواها التعليمي أعلى من مستوى شريكها، والحجة أن مثل هذا الأمر هو من الندرة بمكان، بحيث لا يمكن الاعتداد به. أما اليوم فنلاحظ أن مثل هذه الحالة صارت نموذجاً لكثير من الأسر، حيث الأبناء دخلوا بفضل أمهاتهم إلى مدارس جيدة وتعلموا واستطاعوا الحصول على مهن جيدة، كما أن وضعية الزوج نفسه ارتقت اجتماعياً بفضل الزوجة.
أذكر حينما كان أحدنا يلتقى بشخص مسنّ لأول مرة فيسأله: «أنت ابن(ة) من؟» والمفروض أن يكون الجواب الصاعق في وضوحه على كل المستويات المذهبية والاقتصادية والثقافية: «أنا ابن(ة) فلان». اليوم صار الجواب بحاجة إلى مزيد من التوضيح: «أنا ابن(ة) فلان وفلانة».