الجزائر | بعد انتهاء مهلة منحها ممثلو 26 قبيلة من ولاية تمنراست كانوا قد اجتمعوا حول زعيمهم في 26 شباط الماضي، اتخذ هؤلاء، أوّل من أمس، قرارهم بتنظيم تظاهرة احتجاجية في 17 من الشهر الجاري. وكان أحمد إدابر، وهو زعيم الطوارق وكبيرهم (يُطلق عليه بالأمازيغية التارقية، أمينوكال أي السلطان)، قد أعلن في وقت سابق أنّ أعيان المنطقة «نبّهوا السلطات إلى الوضع الخطير والمتدهور، ومنحوها فرصة» حتى الأحد 4 آذار للتعاطي مع شكواهم «قبل احتلال شوارع مدينة تمنراست» عاصمة أكبر ولايات (محافظات) البلاد بغية إسماع صوتهم «والتنديد بالإقصاء والتهميش واتخاذ القرارات اللازمة» لإعادة تنظيم الأمور.
وقال أحمد إدابر، وهو نائب في البرلمان لمدة 15 عاماً، في تصريحات للصحافة: «إنّ الطوارق صاروا غرباء في ولايتهم لمّا صار المهاجرون القادمون من إفريقيا يحصلون على حقوق أكثر منهم». واتهم السلطات المحلية بـ«استيراد أعيان» للتخلص من الأعيان الحقيقيين للمنطقة، لافتاً إلى أنّه منتخب من 300 قبيلة ستزحف على مدينة تمنراست «لإحقاق الحق»، وأنّ التظاهرة ستكون «ضخمة وغير مسبوقة».
لكنّ استياء «السلطان» قوبِل بما يشبه الاستهجان من قيادات أقلّ رتبة منه في مجتمعه التقليدي، إذ ردّ عليه عضوان في «مجلس الأمة» (الغرفة الأولى للبرلمان)، أحدهما قريبه محمد اخاموخ، وهو نجل زعيم الطوارق السابق، نافياً أن يكون الطوارق يتعرضون لمضايقات أو إقصاء أو تهميش. وأضاف في حوار أجرته معه جريدة «الوطن» الصادرة باللغة الفرنسية، أنّ الطوارق «لا يُطالبون بقانون خاص بهم»، وأنّهم يعيشون على أرض أجدادهم ويمارسون نشاطهم كما يريدون ووفقاً للقوانين التي تطبَّق على الجميع ويستفيدون من الثروات ومن المشاريع مثل غيرهم من أبناء وطنهم. واستشهد اخاموخ بما صار يُسمّى «مشروع القرن» وهو جرّ المياه من بحيرة جوفية في منطقة عين صالح على مسافة 750 كلم لتغطية حاجة مدينة تمنراست وضواحيها بمياه الشرب وسقي الأراضي بما يُعادِلُ 50 ألف متر مكعب يومياً، وسيتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050، وهو أكبر إنجاز حققته الجزائر في قطاع المياه منذ الاستقلال.

للتاريخ، عرض ديغول
تأسيس دولة خاصة
بالطوارق بغية فصل الصحراء


عباس بوعمامة، وهو أيضاً عضو في «مجلس الأمة»، ومن أعيان ولاية اليزي المجاورة لتمنراست، وتقع أقصى جنوب شرق البلاد على الحدود مع ليبيا والنيجر، قلَّل بدوره من أهمية تصريحات أحمد ادابر، متسائلاً عمّا إذا كانت تدخلاته عبر الصحافة تعكس استياءً شعبياً. وقال إنّ الناس لا يُقاسمونه «نفس الانشغال ولا نفس المسعى» لأنها تُعبِّر عن قضية شخصية تخصه ويريد تحويلها إلى موضوع عام يخصّ الولاية والقبيلة. وشكك بوعمامة في نيات أحمد ادابر، ورأى أنّ توقيت هذه التصريحات يعطي الانطباع بأنّها غير بريئة وترمي إلى التأثير في مسار الأحداث السياسية، لكونها تأتي قبل شهور من الانتخابات الجزئية لـ«مجلس الأمة» وقبل نحو عام من الانتخابات الرئاسية. وذهب بعيداً في استنتاجاته، وبسّط الأمر أكثر حين اعتبر الموضوع «خلافاً عائلياً» بين زعيم الطوارق أحمد ادابر، وقريبه محمد اخاموخ، ويكون الزعيم يريد هذا المقعد لكنْ لما صعب عليه الحصول عليه بالتوافق العائلي، لجأ إلى افتعال صراع أوسع عبر المزايدة وتوظيف «الدفاع عن مصالح الطوارق».
ودعا النائبان أخاموخ وبوعمامة إلى الاستغناء عن العمل بنظام «السلطنة»، لأنّ الطوارق هم في النهاية مواطنون جزائريون لهم الحقوق والواجبات نفسها مع باقي أبناء بلدهم ولا يميّزهم شيء. جدير بالذكر أنّ هذا النظام كان موجوداً في زمن الاحتلال الفرنسي «لحماية مصالح السكان وصيانة هويتهم»، فيما لم يعُد صالحاً اليوم في ظلّ دولة الاستقلال. وهذا الاتجاه منتشر وسط النخبة المثقفة من الطوارق، وخاصة بين من تقلدوا مناصب في مؤسسات الدولة.
في غضون ذلك، لم يصدر عن الحكومة أو أيّ جهة رسمية أيّ موقف حيال ما يجري. كذلك تجاهلت وسائل الإعلام الحكومية الموضوع تماماً. ولكن يُرجَّح أن تشهد المناطق التي يسكنها الطوارق زيارات كثيرة من وفود رسمية لإطلاق مشاريع جديدة والوقوف على أوضاع التنمية وظروف معيشة السكان في مسعى لتجاوز تلك الادعاءات. والحال أنّ مناطق الجنوب هي أكثر مناطق الجزائر فقراً، وقد سُجِّلت فيها مستويات قياسية من البطالة، برغم أنّ أهم الخيرات تأتي منها. ولكن يبقى أنّ تاريخ 17 آذار الجاري سيكون الفيصل، ويظهر خلاله لمن ستكون الغلبة: لأنصار «السلطان» أم لأنصار الحكومة المركزية؟
يُذكر أنّ الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال ديغول، كان قد عرض على «سلطان» الطوارق الراحل الحاج محمد اخاموخ (سلطان بين 1950 و1975) تأسيس دولة خاصة بالطوارق في سياق مساعي باريس لفصل الصحراء عن باقي الجزائر، ولكن الأخير رفض العرض، وواصل نضاله الوطني من أجل استقلال الجزائر موحدةً شعباً وأرضاً. وهذا التاريخ ذكّر به حفيده محمد اخاموخ النائب في «مجلس الأمة»، وقال إنّ إثارة القلاقل «تؤسس لمحاولات الفتنة»، وهو نهج لن يقبله الطوارق بأي شكل من الأشكال.
وتُعدُّ مناطق جنوب الجزائر الأخطر لناحية سلامة البلاد وأمنها، إذ إنّها تقع على خط النار عند حدود ليبيا والنيجر ومالي، وتشهد أيضاً تأخراً في مستوى المعيشة بالقياس إلى باقي البلاد. ففيها تُسجَّلُ أكبر نسب البطالة، علماً بأنّها تحتضنُ خيرات البلاد من نفط وغاز وطاقة شمسية ومياه جوفية. وقد بُذِلت جهود في السنوات الأخيرة لتحسين الأوضاع هناك، ولكن ما تحقق حتى الآن غير كافٍ.