لم يتظاهر أهالي قرية ترسا في محافظة القليوبية (شمالي القاهرة) بسبب نقص مياه الشرب النظيفة أو الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي وتراكم القمامة، أو أي من المشاكل المتعلقة بمعيشة الأهالي، إنما انتفضوا لنزع اسم الفنانة الراحلة فاتن حمامة، الذي أطلقته المحافظة، على إحدى مدارسها. بداية القصة تعود إلى العام الماضي حين أصدر محافظ القليوبية محمد عبد الظاهر قراراً بإطلاق اسم فاتن حمامة على «مجمع مدارس تعليم ترسا الأساسي»، ما أدى إلى احتجاجات عدة من أهالي القرية، آلت إلى رفع قضية أمام القضاء المصري من قبل عدد من أهالي المحافظة بإبطال قرار المحافظ، ورفع اسم حمامة عن المدرسة، وهو ما استجابت إليه محكمة القضاء الإداري وأصدرت حكماً ببطلان قرار المحافظ الأحد الماضي، الأمر الذي أدى إلى احتجاجات جديدة لأهالي القرية طوال الأسبوع الماضي لتنفيذ قرار المحكمة وإزالة اسم فاتن حمامة نهائياً.
ولم تفلح الأخبار التي تم تداولها عن تقديم زوج الفنانة الراحلة محمد عبد الوهاب مساهمات مادية للمدرسة أو للقرية، في امتصاص غضب الأهالي قليلاً وإقناعهم بقبول الاسم على المدرسة. كذلك لم ينل تصريح محامي العائلة آذاناً صاغية، حين نفى أي علاقة للفنانة أو لزوجها بالأمر، موضحاً أن القصة كلها تتلخص في أن الأرض التي بُنيت عليها المدرسة باعتها إحدى بنات زوج فاتن حمامة لمشترٍ من المحافظة، والذي قام بإنشاء المدرسة وإطلاق اسمها عليها، ما يعني أن عائلة الفنانة وزوجها لا علاقة لهما بالقضية كلها.
أهالي القرية الذين يعمل أغلبهم في صنع العصائر والمرطبات، نقلوا بعضاً من غضبهم في تقرير لبرنامج «العاشرة مساءً» الذي يقدمه الإعلامي وائل الإبراشي. وبدأت التعليقات بتصريح لأحد رجال القرية الذي قال «ما نشغل بناتنا راقصات أحسن»، وصولاً إلى من قالت «ما يسموها باسم شهيد... هو خلاص مفيش غير فاتن حمامة»، لكن التعليقات الأبرز كانت للطلاب، إذ قال أحدهم باستنكار «كيف أقول إنني تخرجت من مدرسة فاتن حمامة؟»، وطالبة أخرى تساءلت «كيف يطلق اسم ممثلة على مدرسة؟».
القضية أثارت الغضب في أوساط المثقفين، فعلق الفقيه الدستوري الدكتور محمد نور فرحات بالقول إن «القاضي الذي أصدر الحكم بإلغاء القرار لا يصلح للقضاء»، وكتب المفكر خالد منتصر مقالاً يربط فيه بغضب أهالي القرية، وبين تغلغل الفكر الأصولي والوهابي في المجتمع.
وقال منتصر في مقاله «إن ما حدث يدل على تسلط الفكر السلفي الوهابي على عقل الريف المصري، والذى يرسل رسالة ودلالة مهمة حتى لا يخدعنا زحام جنازة فاتن حمامة فى المدينة، وهى أن المزاج المصري صار كارهاً للفن، معادياً للإبداع، حاملاً لجينات العداء والحساسية البدوية الوهابية نفسه تجاه التمثيل والموسيقى والرسم ولكل أنواع الفنون». وأضاف «لقد صرنا نعاني من ظاهرة ترييف المدينة، ووصول الإخوان إلى الحكم لم يكن لتوغلهم السياسي فقط، ولكن لتوغلهم الاجتماعي الذى كان انعكاساً لتلك الظاهرة التى جعلت مزاج مصر الاجتماعى متزمتاً سلفياً حنبلياً ابن تيمياً وهابياً بامتياز».
لكن في النهاية قضي الأمر واستجابت المحافظة بعد احتجاجات الأهالي وإزالة الاسم، وما بقي لافتاً في الموضوع هو أن أعمال فاتن حمامة لم تشفع لها عند الأهالي الغاضبين، برغم أن أحد أبرز هذه الأعمال هو مسلسل «ضمير أبلة حكمت» الذي يعتبر من علامات الدراما المصرية، والتي أدت فيه حمامة دور ناظرة مدرسة تحافظ على القيم والأخلاق التربوية التي رأى أهل القرية أنها مهدّدة إذا أُطلق اسمها على مدرسة!