وعن ردود الفعل إزاء الحُكم الصادر أخيراً عن إحدى المحاكم الابتدائية في إسلام آباد، والذي ارتكز إلى خلاصة تحقيقات توصّلت إليها "لجنة الانتخابات" الباكستانية في تشرين الأول الفائت، باعتبارها الطرف المدّعي في القضيّة، سارعت وزيرة الإعلام الباكستانية، مريم أورنغزيب، إلى نفي شبهة "الكيدية السياسية" عن ملفّ القضيّة، معتبرة أن الإدانة القضائية لخان، تشي بـ"أفول زمنه (السياسي) ". في المقابل، أكد الفريق القانوني لرئيس الوزراء، عزمه على استئناف الحُكم، ونقل ملفّ القضيّة إلى قاضٍ آخر، أو محكمة أعلى، مركّزاً على التشكيك في نزاهة القاضي همايون ديلوار، المولج بالملفّ، مع وصف قراره بالـ"متحيّز"، فيما حاولت أوساط حركة "إنصاف" تأطير القرار ضمن خانة "الانتقام السياسي" من رئيسها. بدوره، دعا خان، في مقطع مصوّر، أبناء شعبه، إلى عدم السكوت على سجنه، مشدّداً على ضرورة مواصلة الاحتجاجات إلى حين إجراء ما سمّاها "انتخابات نزيهة".
تكشّفت معلومات عن نية الجيش تشجيع حكومة شريف على تأجيل الانتخابات إلى ما بعد تشرين الأول
في مطلق الأحوال، جاء الحُكم القضائي بسجن خان لثلاث سنوات، ليجسّد انعطافة حاسمة في المواجهة السياسية الدائرة بالوكالة بين الأخير، وبين المؤسّسة العسكرية، عبر حليفها شهباز شريف، ولا سيما أنها تنطوي على رسالة تحذير لمناصري "إنصاف"، على خلفية مساسهم بهيبة الجيش، أحد أركان "الدولة العميقة" في باكستان. من هنا، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ما جرى يحمل "نصراً كبيراً للمؤسّسة العسكرية التي تبدو عازمة على إقصاء خان من المعادلة السياسية". ووفق الصحيفة ذاتها، فإن رسالة الجيش مفادها بأنه "صاحب اليد العليا في المعادلة الداخلية، وفي رفد الحكومة بالدعم السياسي، وأن هذا الواقع لن يتغيّر أمام الاحتجاج الشعبي مهما بلغ مستواه"، في إشارة إلى إصرار "الجنرالات" الباكستانيين على المزيد من التشدّد الأمني ضدّ أنصار "إنصاف"، ومنهم وجوه سياسية وإعلامية. وفي هذا السياق، يمكن فهم دوافع السلطات الباكستانية عقب قرار اعتقال خان، بوضع أقسام الشرطة في عدد من المدن، بخاصّة في معاقل حركة "إنصاف" في بيشاور ولاهور، في حالة تأهّب قصوى، علماً أن ذلك لم يمنع المعترضين على القرار من النزول إلى الشارع مجدّداً. أبعد من ذلك، ثمّة مَن يَنظر إلى القرار المذكور، بوصفه أحد المعالم النهائية لحسْم مسألة عدم إمكانية ترشّح خان للانتخابات التشريعية المقبلة. وفي ضوء ما سبق، يوضح المحلّل السياسي الباكستاني، زيغام خان، أن مسار الأمور "يمثّل نقطة تحوّل ملحوظة في كيفيّة تعامل الحكومة مع حركة إنصاف"، مُلمّحاً إلى أن هذا المسار يبدو "مُعدّاً بصورة مسبقة لعرقلة فرص مشاركة الحركة في الانتخابات المقبلة".
وخلافاً لردود الفعل الشعبية على توقيف خان في الربيع الفائت، لم ينتج عن مشهد اعتقاله الأخير على يد الشرطة أيّ تظاهرات احتجاجية واسعة، أو مواجهات مع السلطات الأمنية والعسكرية، وهو أمر فسّره مراقبون بوصفه علامة دالّة على نجاعة جهود الجيش لكبح نشاط الحركة وترهيب كوادرها ومناصريها. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، تكشّفت معلومات عن نية الجيش تشجيع حكومة شهباز شريف على تأجيل إجراء الانتخابات إلى ما بعد تشرين الأول المقبل، كإجراء تمهيدي وتبريري لمواصلة قمع أحزاب المعارضة، وبصورة أساسية حركة "إنصاف". أمّا بعد الإجراء القضائي الأخير المُتّخذ ضدّ خان، وتعزُّز فرضيّة إقصائه من "السباق الانتخابي"، فقد يَجد الجيش نفسه مرتاحاً بصورة تعفيه من مواصلة ضغوطه على الحكومة للسير في هذا الاتّجاه، أو ربّما تحثّه على ممارسة ضغوط معاكسة لتنظيم الانتخابات في غضون 90 يوماً، كما هو وارد في دستور البلاد، في الحالات المنصوص عنها لدى حلّ البرلمان الاتحادي، أو أحد برلمانات أقاليم البلاد الأربع (وهو واقع الحال منذ حلّ برلمانَي البنجاب، وخيبر بختونخوا، قبل نحو عام). محصلة مشهد ما بعد سجن خان، وفرضيّاته المحتملة، يوجزها مراقبون بمحاولة الإجابة عن التساؤل الأساسي المتعلّق بمدى احتمالية عودة القضاء الباكستاني لنصرة خان مرّة أخرى في وجه الحكومة، من خلال إلغاء عقوبة السجن في حقّه، وهو أمر لا يزال غير مستبعد إلى الآن.