مقالات مرتبطة
الشعب الإيراني أخذ القرار بتغيير جلد البرلمان. فمن أصل 290 نائباً حالياً، تَقدّم بالترشّح 253، ليتمّ استبعاد 80 نائباً من التيارين «الإصلاحي» و«المحافظ» على السواء بسبب شبهات تتعلق بملفات اقتصادية وسوء إدارة. هكذا استقرّ عدد المترشّحين للانتخابات من البرلمان الماضي على 173، فاز منهم حالياً 56 نائباً، ما يعني أن الشعب قرّر أن 70 في المئة من النواب الحاليين غير كفوئين وغير جديرين بتجديد الثقة بهم، وهذا دليل على القدرة الشعبية على الحسم. الأرقام والإحصاءات، قبيل الانتخابات وعشيّتها، لم تختلف كثيراً عما أفرزته الصناديق. فالتوقّعات أشارت إلى أن المشاركة الشعبية ستكون أقلّ من 50 في المئة، وفق معايير محايدة. كما أشارت استطلاعات الرأي إلى أن 43 في المئة لن يشاركوا في الانتخابات لعدم ثقتهم بأن الحكومة الحالية قادرة على التغيير، وبالتالي أراد الشارع إيصال رسالة إليها، واضحة وصريحة. رقم المقترعين وصل إلى نسبة تقارب 42% أو 25 مليوناً (وللمصادفة هو الرقم الرسمي نفسه الذي أُعلن لعدد المشاركين في تشييع قائد «قوة القدس» الجنرال قاسم سليماني).
رقم المقترعين وصل إلى نسبة تقارب 42% أو 25 مليوناً
الشارع، الذي كان معدّل المشاركة في الانتخابات البرلمانية لديه 55 في المئة، تأثّر أيضاً بأخبار انتشار فيروس «كورونا»، وهذا ما خفض نسبة المشاركة إلى حدّ ما، إلا أن ذلك لا يُعدّ السبب الرئيس لانخفاض النسبة. كما أن الانتخابات البرلمانية لا يشارك فيها المغتربون، وهم أكثر من 8 ملايين إيراني يعيشون في الخارج. هذه العوامل أثّرت في المشاركة، إلا أن الواقع يشير إلى أنه لو كانت النسبة أكبر لكانت خسارة التيار «الإصلاحي» مدوّية أكثر؛ ففي العاصمة طهران لم يحصل أيّ مرشح «إصلاحي» على أكثر من 100 ألف صوت، في حين أن محمد باقر قاليباف وصل إلى حوالى مليون و300 ألف صوت. سيتمّ الحديث عن نسبة الاقتراع، وستدور حولها تحليلات، ولن يؤخذ بعين الاعتبار العديد من التفاصيل. لكن عندما تصف القيادة (المرشد خامنئي) الانتخابات بـ«الجيدة»، فهذا يعني أن الرسالة وصلت، وأن الانتخابات حقّقت المطلوب منها، وإن لم تكن على قدر التوقّعات مع جمع العوامل كافة، من أخبار «كورونا»، إلى المغتربين، إلى عقاب قاعدة التيار «الإصلاحي» لقيادتها، والتململ الشعبي الذي أراد إيصال رسالة اعتراض للرئاسة والبرلمان والسلطات النافذة في البلاد.
خلال الفترة المقبلة، سيكون البرلمان مطالَباً بإعادة هيكلة الأولويات، ووضع خططه التي رسمها جانباً، ليقرأ المطالب الشعبية ويسعى إلى تنفيذها بدلاً من الدخول في صراع سياسي عقيم بين مجلس «أصولي» ورئيس محسوب على «الإصلاحيين». كما سيكون النواب ملاحَقين من الناخب بمطلب أن لا يُحوّلوا التعاطي مع حكومة حسن روحاني إلى قاعدة انطلاق للانتخابات الرئاسية، لأن المطالب الشعبية أعطتهم هذه المشروعية أملاً بإصلاحات حقيقية وعمليات قيصرية اقتصادية تُحصّن الداخل وتدفعه إلى النهوض بشكل أقوى لمواجهة الظروف المقبلة، التي ستكون حتماً أشدّ قساوة في المواجهة المفتوحة مع واشنطن.