إذا كان هناك من رسالة يُراد أن تصل إلى جهة غير إسرائيل من خلال المسيرات التي انطلقت باتجاه فلسطين المحتلة في ذكرى هزيمة حزيران 67، فإنّها ستكون حتماً للقيادة الرسمية الفلسطينية، أو ما يعرف بقيادة السلطة الفلسطينية. فالشهداء الذين اندفعوا عبر الحدود، قادمين من مخيمات اليرموك والنيرب وخان الشيح، طرحوا بجرأة سؤالاً مفتوحاً:
من نحن؟ وما هو مشروعنا الحقيقي؟
وهو ليس سؤالاً رومانسياً على الإطلاق، كما يحب دعاة البراغماتية أن يجادلوا، لتبرير موقفهم من التسوية السياسية. إنّه سؤال واقعي إلى أبعد الحدود: هل نقاتل من أجل الكيان الفلسطيني كلّه، من بحره إلى نهره، أم نفاوض لنأخذ من إسرائيل بضعة أمتار لنبني عليها «كانتوناً» جديداً، لا يتسع حتى لدفن جثامين شهداء الجولان الذين سقطوا من أجل فلسطين الكاملة؟
قد لا يكون ممكناً لتظاهرة واحدة أو اثنتين، تندفعان بالآلاف عبر الحدود، أن تنجزا مهمة التحرير، فتلك مهمة لها موجباتها المختلفة. لكن أهم ما فعلته المسيرات التي ذهبت إلى حدود فلسطين، مرّة في ذكرى النكبة ومرّة في ذكرى الهزيمة، أنّها أعادت الاعتبار لبداهة الأشياء: أنّ فلسطين هي قضية المجتمع المتنوّع الذي كان قائماً باقتصاده، وعاداته، وتقاليده، وثقافته، وحواضره المدينية.
مجتمع تعرّض للتدمير بآلة الاحتلال الإجلائي، لتقوم عليه دولة تمثل أسوأ أشكال العنصرية سياستها الرسمية، على حساب الملايين من الفلسطينيين الذين طردوا إلى المنافي.
لا تكمن مأسوية التسوية السلمية التي غرقت القيادة الفلسطينية في أوحالها في أنّها لم تمنح الاحتلال صكاً رسمياً بشرعيته لتقيم تحت فوهات مدافعه إدارة هي أقرب إلى البلدية منها إلى السلطة السيادية وحسب، بل في أنّها أدخلت الفلسطينيين بقواهم وفعالياتهم في سياق عملية تختزل قضية فلسطين في «السلطة الفلسطينية».
عملية تعيد تقسيم الفلسطينيين ذاتهم إلى «فلسطينيي السلطة» في الضفة وغزة، وفلسطينيي الخارج، وفلسطينيي الداخل الفلسطيني المحتل. كأنّ لكلّ جماعة منهم قضيتها الخاصة، المنفصلة عن السياق الموضوعي لقضية فلسطين ككل. وقد ترافق كلّ ذلك مع عملية إسكات وتهميش للملايين من الفلسطينيين في الشتات.
هؤلاء يمنعون من المساهمة الفاعلة في تقرير مستقبلهم، بالرغم من حيويتهم السياسية، وتنوّعهم الثقافي، وغناهم المعرفي، وعمق ارتباطهم بالقضية الأم.
ينبغي فهم الهبّة الشعبية الفلسطينية عبر حدود دول الطوق لا كاستمرار عملي لفلسطينيي الشتات في ابتداع أشكال جديدة للمساهمة في النضال الوطني فقط، وإنما أيضاً، كجزء من التعبير عن الغبن الذي يشعرون به إزاء السياسة الفلسطينية العامة. سياسة تركنهم على الهامش وتتمفصل بمجملها، منذ سنوات، حول عملية صراع على مكتسبات سلطة وأجهزة أمن ومساعدات دولية، لا يرى هؤلاء فيها سوى ملهاة كارثية تحول دونهم ودون مهمتهم الرئيسية في التحرير والعودة.
قد يبتسم السيد سلام فياض في أيلول المقبل وهو يعلن إنجاز مشروع الدولة الفلسطينية، ومؤسساتها، أمام الرعاة
الدوليين.
لكن كم سيكون السؤال مدوّياً إذا صنع الشبان الفلسطينيون غداً أيلولهم الخاص، واندفعوا مرة أخرى باتجاه فلسطين وسقطوا وهم يصرخون: نحن هنا... هل نسيتمونا؟
* صحافي فلسطيني
3 تعليق
التعليقات
-
السلطة الضائعةيتسائل المرء كثيرا ..لو لم تذهب م ت ف الى اوسلو لتقيم سلطة واهية على فتات من بعض الاراضي المحتلة متذرعة بحجج واهية تحت شعار انقاذ ما يمكن انقاذه ,فهل كنالنكون في وضع اسوأ مما نحن فيه اليوم.فما الذي انقذته هذه السلطة بربكم ورئيسها يقف بموكبه المهيب امام الحاجز الاسرائيلي لا يستطيع المرور الى ان ينتهي الجندي الاسرائيلي من ربط شريط حذائه بكل تأن لينتبه فيما بعد ان هناك موكبا رئاسيا فيومئ له بالمرور.فهم لم ينقذوا حتى ماء وجوههم.فيا ليتها سلطةلم تكن .
-
ماذا بعد؟قراءة دقيقة يا رامي، لكن السؤال الأهمل هو: ماذا بعد؟ الوضع الحالي ان كان في فلسطين أو في العالم العربي يقول بوضوح بأن القوى السياسية القائمة، حتى تلك التي تمتلك تاريخا نضاليا عريقاً، اهترأت بآلياتها وبرامجها. الجمهور لم يعد يشتري بضاعة الأحزاب القائمة، والثورات التي تقوم بلا رؤية سياسية يسرقها الآخرون، وباسم الشعب كما في كل مره، .. كيف يبني هؤلاء المغبون، كما أسميتهم في مقالك، مشروع حريتهم؟ وبأي أفق يستطيعون النضال في ظل استكانة الجميع لما هو قائم؟ مودتي
-
أنا كلاجئ فلسطيني الرقمأنا كلاجئ فلسطيني الرقم الوحيد الذي يمثل فلسطين لدي هو 27000 و لتذهب السلطة الفلسطينية إلى الجحيم !!