قد يعرّف غالبية المطّلعين على عالم الفن البصري، أنّ سلوى روضة شقير رسامة ونحاتة، وعميدة الفن التجريدي في العالم العربي. لكن أعمال شقير تخطّت حدود اللوحة والمنحوتة، وانتقلت بالروحيّة نفسها إلى عالم التصميم الذي أسهمت في تشكيله. جاء المعرض الاستعادي البيروتي (راجع مقال الزميلة ريما النخل) نتيجة جهود نخبة من خرّيجي الجامعة التي تخرّجت فيها شقير في الأساس، فيما تولّت الأكاديميّة ومديرة «معهد الفن العربي» (IAAW)، ياسمين نشابة طعان تقييم المعرض. درست طعان الفنون الجميلة وفن التصميم الإعلاني في LAU وعملت على كتاب يتناول تعدد المواد في أعمال شقير ويحتفل بمجموعة أعمالها كشخصيّة أساسية في تاريخ الفن والتصميم في القرن العشرين.

توضح طعان أنّ هدف المعرض هو الاحتفال بخريجة جامعتهم. أمّا الهدف الثاني، فهو تسليط الضوء عليها كمصممة وليس فقط كتشكيليّة وعرض أعمالها التصميميّة لتكون إلهاماً لطلّاب جامعتهم، مضيفةً: «يحتفل هذا المعرض، المبني على كتابي عن شقير، بنهجها في إزالة الحدود عبر دمج العلوم والفن والعمارة والتصميم؛ وهو نهج يستمر في إلهام الأجيال الحاليّة والمستقبليّة من الفنانين والمصمّمين. لقد كانت فنانة متجذّرة في تراثها العربي بدلاً من التقاليد والأعراف الغربيّة، وطورت تجريداً هندسيّاً حديثاً في تصميم أثاثها ومنسوجاتها ومجوهراتها».

بين التشكيل والتصميم
قبل التطرق إلى أعمال شقير التصميميّة، يجب توضيح الفرق الأكاديمي بين العمل الفني التشكيلي والعمل التصميمي. يشمل الفن التشكيلي كل ما يُرى بالعين ويُشكّل باليد، وتدرج في خانته لوحات شقير وأعمالها النحتيّة. أمّا الأعمال التصميميّة للفنّانة، فهي لا تقتصر فقط على تمتّع عين الجمهور بها، بل يمكنه أن يستعملها ويوظفها في حياته اليوميّة. تقدّم الأعمال التصميميّة المعروضة في LAU لمحة عما يدور في عقل شقير. كأنّها كانت تحلم ببناء بيروت من جديد، لتصبح مدينة مليئة بالفن والنوافير والمنحوتات. في عام 1956، قضت الفنّانة معظم وقتها في محترفها الخاص في بيروت، تعمل على تطوير نماذج أوليّة للأجهزة الكهربائيّة والمصابيح والنوافير وغيرها من أثاث الشوارع. كانت تعتمد في ذلك على مواد عدة وتستند إلى الدراسات العلميّة، لتشكّل يدها عالماً جديداً كان في مخيلتها فقط.



الأثاث والأواني
لم تقتصر مخيّلة شقير الإبداعيّة على بناء مدينة جديدة فقط، بل امتدت إلى داخل بيوتها. طوّرت مؤلفاتها الإيقاعيّة إلى المفروشات والسجاد وعملت على تصاميم لأثاث البيوت، بما في ذلك سرير وخزانة ذات أدراج وصندوق ألعاب لغرفة نوم ابنتها، بروح وحداتها المستطيلة المتجزئة نفسها، وباستخدام الألوان البرتقاليّة الزاهية. كانت مسؤولة قسم الحرفيّات في «الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة» وعملت على تنفيذ مجموعة الأواني والأدوات المنزليّة الخاصة بها، من دون التخلّي عن تركيباتها الهندسيّة الملوّنة. كما صمّمت سجادات تحتفل بأسلوبها التجريدي المتفرّد والمستوحى من أرابيسك المساجد الإسلاميّة.

المجوهرات والملابس
لم تكفّ عن التفكير في أعمال فنيّة يتمكّن شاريها من استعمالها، فانتقلت بتصاميمها إلى المجوهرات والملابس. في عام 1970، بدأت بتصميم خط المجوهرات الخاص بها. مجموعة كبيرة من الخواتم والبروشات والقلائد التي تجمع بين الفضّة، والنحاس والأحجار الكريمة. تُظهر تصاميم مجوهرات شقير اللغة الفنيّة للتجريد، ويمكن اعتبار خط مجوهراتها، بمنزلة منحوتات مصغّرة، تدلي ببيانات خاصة لدى ارتدائها. أمّا الملابس التي صمّمتها، فتعتبر بمنزلة لوحات متنقّلة على أجساد من يرتديها، حيث تحمل الطابع الهندسي ذاته الذي عرفت به شقير.



المعرض التكريمي
يقدّم المعرض البيروتي جميع تصاميم شقير المتنوعة من أثاث لنوافير وأوان ومجوهرات، إضافةً إلى أغلفة الكتب والملصقات الداعية لحضور معارضها. يتضمّن المعرض أيضاً مقالة محميّة بالزجاج، كتبتها الأكاديميّة التي تخرّجت وعملت في LAU مهرانجيز إيراني، في سبعينيّات القرن الماضي. في مقالتها، رسمت إيراني صورة لطبيعة النحّاتة اللبنانيّة المعاصرة ومكانتها، متطرقةً إلى تعدد موادها ووسائطها، إذ «عملت بجميع الوسائط النحتيّة الممكنة بدءاً من الطين إلى الخشب والبلاستيك والزجاج العضوي والمعادن والحجر. رغم أنّ اسمها في الوقت الحاضر يرتبط في الغالب بفن النحت، إلّا أنّها قامت أيضاً بأعمال جميلة في الرسم، والنسيج، والمجوهرات والسيراميك».
على شاشة المعرض، يتسنّى للجمهور مشاهدة فيديو وثائقي من أربعة دقائق عن الفنّانة أعدّه سامي شقير وهو خرّيج LAU أيضاً. يعرض الفيديو محادثة مع هالة شقير، ابنة سلوى، عن عقليّة الفنّانة التي رفضت التقلّد بالغرب، وأعمالها غير المألوفة وعن سلوى الأم. تقول الابنة: «كانت أمّي مقتنعة بما تفعله، لم تهتم يوماً لآراء الغير».
صمّمت سجادات بأسلوب مستوحى من أرابيسك المساجد الإسلاميّة


أمّا بالعودة إلى كتاب ياسمين نشابة طعان، فتعلّق الأخيرة بأنّ شقير «استكشفت مجموعة كبيرة من المواد، وجمعت معرفتها في العلوم والهندسة الإسلامية والهندسة والشعر لإنتاج عدد من أعمال التصميم التي نفذتها على مدى خمسة عقود. رغم عدد من التحديات التي واجهتها خلال مسيرتها المهنيّة، إلا أنّها واصلت تقديم أعمال حديثة وعربيّة. استناداً إلى تراثها العربي، بدلاً من التقاليد والأشكال الغربيّة، قدمت الفن التجريدي الهندسي بأسلوب حديث. كانت مفتونة بالهندسة الصوفيّة ومفهوم اللانهاية. وأولت اهتماماً خاصاً بتطوير الأشكال المتشابكة وبناء أشكال معياريّة أثناء استكشاف المواد الجديدة ومعالجتها والجمع بينها في تطوير الحلول، ليس فقط للمنحوتات واللوحات ولكن أيضاً لمنتجات التصميم».
هكذا، بجهود مشتركة من خريجي LAU، أقيم المعرض التكريمي داعياً الزوّار إلى اكتشاف الطرق المختلفة التي طوّرت بها شقير الأشكال المتشابكة وبناء الأشكال المعياريّة، أثناء اختبارها مواد جديدة. وهو يشرّع نافذة أيضاً على كيفية تفاعل شقير بشكل إبداعي مع مجتمعها وثقافتها وتراثها.