ما الذي فعله السعوديون والإماراتيون معنا، منذ عقد، غير تهديدنا يومياً بالجوع والحصار وقطع الأرزاق، وغير التهديد بوقف التواصل وإقفال الحدود والسفارات ومنع الزيارات، وغير إقفال الهواتف في وجه كل من يحاول التواصل معهم لشرح حقيقة ما يجري في البلاد. وها هم، عاماً بعد آخر منذ اغتيال رفيق الحريري إلى اليوم، ينتظرون حكومات ومجالس نيابية وبلدية ونقابية، ويستمعون إلى نشرات الأخبار ومقدمي البرامج وغالبية الضيوف، ليستفيقوا في اليوم التالي على المشهد نفسه. ومع ذلك، لا يريدون تعلّم الدرس.
لا تريد السعودية تغيير النظام بل العودة إلى النظام الذي بقي في حضنها لعقود طويلة
ما يجري اليوم هو الجزء الأكثر وضوحاً من الصورة. لم يكن وزير الخارجية السعودي يحتاج إلى أي لباقة أو مناورة ليقول ما هو المطلوب: نريد لبنان من نوع آخر، على شاكلة سمير جعجع وأشرف ريفي. نريد لبنان ليس فيه حزب الله، ونريد لبنان الذي يحظر وجود المقاومة ويمنع أي رأي ينتقد السعودية. الوزير السعودي قال، صراحة، إنه يريد تغيير النظام في لبنان. يريد حكومة لا تتمثل فيها قوى تعارض سياساته، ومجلساً نيابياً لا يتمثل فيه خصومه، وإدارة عامة ليس فيها من يخالفه الرأي، وإدارة للقطاع الخاص تلبي طلباته من دون سؤال أو مراجعة، ومؤسسات أمنية تعمل في خدمته وتجمع المعلومات عن خصوم المملكة من مواطني لبنان، وتحبس الأنفاس إن قدرت على ذلك.
السعودية تريد تغيير النظام في لبنان؟
لا. السعودية تريد العودة إلى النظام الذي بقي في حضنها لعقود طويلة. إلى النظام الذي لم ينجح عبد الناصر في جذبه بعيداً عنها. إلى النظام الذي ينشد العروبة في خطب حماسية لكنه لا يفعل شيئاً على الأرض. تريد نظاماً لا يخرج عن رضى أهل الخليج وأهل الغرب معاً.
السعودية، عملياً، شأنها شأن قوى وجهات لبنانية لا تعرف أن البلاد تغيرت كثيراً خلال خمسين عاماً. ليس نحو الأفضل تماماً. لكنه تغيير فرض واقعاً سياسياً وتوازناً من نوع جديد. هو تغيير أفسح في المجال أمام رأي آخر، وتفكير آخر، ووجهة أخرى. وهي، حتماً، ليست الوجهة التي تقود إلى الزحف لنيل رضى آل سعود.
أمام هذا النوع من التفكير، وأمام هذا العقل المتحجّر الذي لا يفهم ما الذي يجري من حوله، لا يمكن للمرء سوى الرد على أهل الحكم هناك، وعلى أنصاره هنا أيضاً، بأن «الكيل طفح» فعلاً. طفح الكيل منكم ومن تزلّفكم وغطرستكم وتكبّركم... طفح الكيل من مراضاتكم وطلب الغفران والسماح منكم، ولنا في سعد الحريري درس يجعلنا نصرخ بأعلى الصوت: حلّوا عنا!