يتوجّه العراقيون، غداً، إلى صناديق الاقتراع لاختيار نوّابهم، في انتخابات مبكرة هي الأولى من نوعها منذ التصويت على الدستور الذي تُحكَم به البلاد حالياً، في 15 تشرين الأول 2005. انتخاباتٌ لا يُتوقّع منها أن تفرز تغييراً كبيراً في الندوة البرلمانية، على رغم إجرائها على أساس قانون جديد، لم يسبق أن اختبره العراق في كلّ الاستحقاقات الدستورية التي أعقبت الاحتلال الأميركي. على أن هذه المحطّة، التي تتزامن وبدء الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدَين بعد سبع سنوات من الدورة الأخيرة من الاحتلال التي افتتحها الاجتياح «الداعشي» للبلاد، ربّما تُمثّل فرصة للعراقيين للنهوض بأوضاعهم، إذا ما قرّرت قواهم السياسية الاستفادة من تجارب الماضي، واستثمار الشرعية المتجدّدة، ولو المنقوصة، في فتح صفحة جديدة عنوانها التنمية والرخاء، خصوصاً أن التفاهمات الإقليمية، والتي يُنسج جانب منها، على الأرض العراقية نفسها، تشي بمرحلة استقرار قد يكون هذا البلد مقبلاً عليها. وهي مرحلة لن يكون اللاعبون فيها على قدم المساواة لناحية الأرباح والخسائر؛ إذ إن إيران، التي ألقت بثقلها في العراق في السنوات الماضية دعماً لحلفائها الذين بدأت من عندهم قصة نهاية «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تجد أن الوقت قد حان لحصاد النتائج، وأن الوضع الحالي يتطلّب تفعيل «عدّة شغل» مغايرة لما تمّ الاعتماد عليه سابقاً. ببساطة، تعتقد طهران أنه بات بإمكانها تنفُّس الصعداء بعد جولات صراع مديدة، والبدء في الاستعداد للتعامل مع واقع لن يكون فيه الأميركي حاضراً بثقله إلى جوارها. في المقابل، يبدو أن ثمّة تخبّطاً في واشنطن في شأن كيفية التعامل مع الواقع الجديد؛ إذ على رغم وجود اطمئنان إلى أن نفوذ الولايات المتحدة في العراق لن يصفَّر برحيل القوات القتالية، ولا سيما إذا ما استطاع الرئيس - التسوية، مصطفى الكاظمي، البقاء في منصبه، إلّا أن القلق لا يفتأ يتصاعد من مآل الأمور في بغداد في ظلّ احتفاظ طهران بكلّ نقاط قوّتها، وإن كانت التجربة السياسية لحلفائها قد أسهمت في تهلهل رصيدهم الذي راكموه في الحرب على «داعش». أيّاً يكن، ومع أنه لا مؤشّرات جدّية إلى الآن إلى وجود نيّة مراجعة وتنقيح وإصلاح لدى القوى السياسية العراقية، غير أن انتخابات العاشر من تشرين الأول تُشكّل مفرقاً مفصلياً يمكن أن يفتح الباب على تبدّل الوضع القائم، إذا ما أرادت الطبقة التي لا تزال تعيد إنتاج نفسها، المُضيّ في ذلك بالفعل، خصوصاً أن «القوى التشرينية» التي أمل البعض في أن تقدّم بديلاً منها، أظهرت هشاشتها وتشتّتها وارتهانها للمموّل الخارجي. أمّا بخلاف ما تَقدّم، فإن الغد لن يأتي للعراقيين إلّا بالأسوأ!