في مجموعة «كأن قلبي يوم أحد» (دار النهضة)، وهي الثانية لريم نجمي بعد «أزرق سماوي» (2008)، لا نعثر على ركاكة شعرية واضحة، ولا على براعة واضحة أيضاً. كل شيء منتظَر ومتوقع تقريباً في قصائد الشاعرة المغربية الشابة (مواليد 1987). ما نقرأه حصيلة خبرات متداولة ومعروفة. لا نتحدث هنا عن ضعف النبرة الشخصية، بل عن اكتفاء صاحبتها بالإقامة في نفق معجمي وأسلوبي وسطي لا يَعِدُ بضوءٍ شعري مفاجئ في نهايته. إنها إقامة في الشعر الآمن والخالي تقريباً من المجازفات.لنقرأ قصيدة «غياب»: «تأملتُ أثركَ الأخير/ وقلت:/ بالغتَ في الغياب/ فأنا كيراقة فراشة/ فاتها الربيع/ لا هي تولد/ ولا هي تموت/ عدتُ إلى نفسي/ أربِّتُ على انتظاري/ فانزلق مني/ ليبحث عن معنى آخر/ لوجوده/ فأنا مذْ عبرتْني كلماتُك/ ضيقني التأويل/ وضاعت شِفرتي/ في غيابك». قد يكون الحب سبباً في عادية هذه القصيدة، إلا أن لغة مشابهة تسود أغلب زميلاتها الأخريات. أحياناً نعثر على مقاطع مكثفة أكثر، ومصنوعة بحساسية معقولة، كما هي الحال في المقطع الآتي: «كنتُ كطبيعة جامدة/ أنمو داخل صورتي/ المعلقة في مدخل البيت». لكن المشكلة أن المقطع نفسه مسبوق بمقطع عادي مثل: «قبل أن أعرفكَ/ كنتُ صغيرةً بجناحين/ حضنتني/ ابتلّت عظامي بالحب/ فأينعت». إلى جانب ذلك، لا تنجح تقنية المفارقة بقطف معانٍ مباغتة: «لك رائحةُ الشتاء/ إنْ شممتُها/ أُمطِر»، «البارحة/ لم أجدك واقفاً (لماذا واقفاً!؟) على ناصية الحلم/ ربما وسادتي/ أخطأت المكان»، «على الماء/ اتكأتُ/ فوجدتني غريقةً/ في جسدي». الحب الحاضر في معظم سطور المجموعة يُضفي عليها مذاقاً رومانسياً، كما أن التجربة الغضّة للشاعرة تزيد من استسلامها للغةٍ لطيفة ومشذّبة لا تمثّل خطراً حقيقياً على رتابة قصائدها. كأن المجموعة مكتوبة بلغةٍ جاهزة ومسبقة الصنع. لغة موروثة من منجز الشعر المغربي الستيني والسبعيني الذي لا يزال عصياً على «الروح الحديثة» التي شاعت لدى من جاء بعدهم في بيئات شعرية عربية أخرى.
قد لا تكون تجربة ريم نجمي القصيرة (لعلّها مرشحة للتطور لاحقاً) صالحة لفتح حديث أعمق وأوسع في الأصوات الجديدة والمختلفة التي تصلنا من المغرب، ولكننا نسجل استغراباً قابلاً للنقاش عن ندرة الأسماء التي تسلك دروباً جانبية مقارنةً بكثرة السائرين على أوتوستراد الشعر المغربي، والمغاربي عموماً. نتذكر مثلاً مبارك وساط، وعبد الإله الصالحي، وجلال الحكماوي، ومحمود عبد الغني... ونتساءل عن جدوى سعي الأسماء الشابة التي جاءت بعدهم إلى ربط ممارساتها الشعرية بالشعر الرائج الذي انشقّ عنه هؤلاء؟ في قصيدة تهديها ريم نجمي إلى سيلفيا بلاث، نعثر على مقطع يصلح لوصف هذه الممارسة: «ليست هناك خطيئةٌ/ أكبر من قصيدة شاعرٍ/ بهتت لغته من كثرة الاستعمال». أليست الشاعرة نفسها أولى بالانتباه للغتها العائمة على فصاحة مستعملة، ومناخات رومانسية بريئة، وصورٍ تفتقد الدهشة؟ نقرأ مقاطع أخرى مثل: «لي رغبةٌ/ في تذوّق ليلكَ/ فأرشدني/ إلى أقرب نجمةٍ/ تطلّ على شفتيك»، أو: «لوِّني بلسانك/ لألتوي مع الحروف/ وأنطق: أحبك». ونتساءل: ماذا بوسعها أن تحمل تلك اللغة المكرورة؟
2 تعليق
التعليقات
-
النقد المدرسيالعزيز حسين بن حمزة، لا بد من شكرك على تعريف القارئ المشرقي بشاعرة شابة قد لا يصلنا نتاجها لولا جهود صحف واسعة الأفق كالأخبار في متابعة ما يجري على الطرف العربي الآخر. لكن بالنسبة لمجموعة شعرية أولى لشاعر(ة) شاب(ة)، أعتقد أن مقالتك أشبه بتوبيخ مدرس اللغة العربية الملول منها إلى النقد، سيما أن ما تصفه "بالحساسية المعقولة" (أي حكم بالقيمة!) ينقص الكثير من الشعراء المكرّسين لاعتبارات غير شعرية ـ وما أكثرهم ـ والذين لا ينالون حقّهم من التوبيخ في صحافة أدبية متواطئة في الغالب الأعم مع الرداءة. أعتقد أن في "أنمو داخل صورتي المعلقة في مدخل البيت" أو في "وسادتي أخطأت المكان"، اصطياد لومضة الحياة جدير بشاعر، حتى إن لم تكن أدواته قد "نمت" بما يكفي، وحتى لو كانت لغته قد "أخطأت المكان" هنا أو هناك... للشباب أن يقعوا في مصائد التكرار والتشابه والبحث عن لغة آمنة: لهم شرف التجريب، والزمن، لا بد، لصالحهم. فلنوفّر هذه القسوة بالحكم للمجموعة الثانية! تحية للأخبار ولك.