كيف نوفّر استهلاك الطاقة في المباني؟ إرساء أمر كهذا يتطلّب استراتيجية قد يكون تطبيقها في لبنان شبه مستحيل في ظلّ فوضى ما بعد الانهيار، ووسط تعدّد سلطة القرار، واتساع نطاق الزبائنية السياسية. طرح كهذا يندرج ضمن أولويات تتغذّى على إرضاء المموّلين. وهذا ما بدا واضحاً في النقاشات التي أثيرت بشأن مشروع قانون «حفظ الطاقة» في ختام الدورة التدريبية التي أقامها المركز اللبناني لحفظ الطاقة لإعداد تقنيين لقياس كفاءة المباني في توفير استهلاك الطاقة. ومن المفارقات اللافتة أن يتم إعداد تقنيين لا عمل فعلياً لهم. فالقانون الذي يفترض أن ينظّم لهم عملاً، أحيل إلى مجلس النواب في أيار 2022 ولم يقرّ بعد. لذا، يبدو أن الأولوية لتسويق الشعارات فقط. الأمر نفسه يصبح واضحاً في النقاشات التي أثيرت في ختام هذه الدورة، إذ تبيّن أن أوروبا تبنّت توجهات سياسية لم تتعامل معها كندا وأستراليا والصين إلا باعتبارها «برامج»، فهل يمكن أن ينخرط لبنان في الأولويات الأوروبية؟
في لبنان، يتركّز الحديث حول الحاجات الأساسية مثل التغذية بالكهرباء 24/7. تجّار البناء سبق أن حصلوا على قوانين مفصّلة على قياسهم، وسبق أن كانت لهم حصّة واسعة من نهب الأموال وفق آليات التمويل المدعوم بحجّة «البناء الأخضر». ومنذ سنوات نرى نتائج سياسات التنظيم المدني «العشوائية» والمخصخصة... الحديث اليوم عن أوان تنظيم البناء وفق الأولويات الأوروبية يبدو ضرباً من التسطيح. فالاهتمامات الشعبية تركّز على سبل للتدفئة شتاءً بأرخص كلفة بدلاً من البحث عن سبل تحويل الأبنية إلى واحة خضراء. أيضاً يبحثون عن التغذية بالتيار الكهربائي بالطرق الرسمية بدلاً من خضوعهم مرغمين لأصحاب المولدات أو إنفاق ما يملكونه من مدّخرات لتركيب محطات طاقة شمسية.
يبدو مشروع القانون طموحاً جداً، لكن إقراره بالصيغة التي أعدّ فيها قد يحول دون تنفيذه مثل عدد كبير من القوانين النافذة التي لم تطبّق منذ سنوات. فهو يعد بتحويل الأبنية القديمة والجديدة إلى واحات صديقة للبيئة لا تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، وتلتزم بمعايير أوروبية في توفير الطاقة سواء على مستوى استخدام مواد بناء توفر من فاتورة التدفئة والتبريد، أو اعتماد أنظمة تشغيل كهربائية لا تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، بالإضافة إلى إدخال الأنظمة الإلكترونية على المباني للأهداف ذاتها. وبحسب القانون، لن تمنح تراخيص بناء إلا بعد مراعاة هذه المبادئ، وستكون نقابتا المهندسين في بيروت وطرابلس ملزمتين بـ«التدقيق الطاقوي».
في تفاصيل التطبيق، يعطي المراقبون الأبنية «شارة طاقوية» مصنفة إلى 7 أجزاء من الحرف «أ» الذي يشير إلى الكفاءة الأعلى في حفظ الطاقة، وصولاً إلى الحرف «خ» أي الأكثر استهلاكاً للطاقة، وبناءً عليه، يصبح لزاماً على الأبنية التي تستهلك كميات طاقة أكبر من المسموح بها إما طلب الترخيص من وزارة الطاقة، أو القيام بإجراءات لتخفيض استهلاك الطاقة فيها، على أن تحدّد بموجب مرسوم تنفيذي يصدر لاحقاً عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الطاقة بالتشاور مع وزيرَي الأشغال والصناعة الحدود الدنيا لاستهلاك الطاقة، والقيود الإضافية للاستحصال على التراخيص. إلا أنّ لبنان حتى الآن ليس لديه تصنيف معياري لصرف الطاقة بحسب المناطق الجغرافية، وبالتالي لو صدّرت هذه الشهادات فهي ستبقى من دون أرقام معيارية للمقارنة على أساسها.
إذاً، ما فائدة هذا القانون؟ وفقاً لاختصاصيين في المركز اللبناني لحفظ الطاقة، «الفائدة هي تحسين القيمة العقارية للمباني أولاً، ومعرفة كمية استهلاك أيّ مبنى من الطاقة سنوياً، ما يمكّن وزارة الطاقة والحكومة من وضع خطط أكثر كفاءة لناحية إدارة الكهرباء ثانياً». هل المشروع قابل للتطبيق في لبنان؟ «في الوضع الحالي، الأمور صعبة، ولكنّ الناس اتجهوا فعلاً نحو ترشيد استهلاك الطاقة بعد ارتفاع أسعار الكهرباء والاعتماد على الطاقة الشمسية»، تجيب الاستشارية في مركز حفظ الطاقة سورينا مرتضى، و«لكن النص القانوني يؤكد ضرورة التزام المباني الموجودة في لبنان على مختلف أنواعها بمعايير معيّنة من كفاءة الطاقة، على أن لا يتجاوز مصروفها السنوي من الطاقة حدّاً معيّناً». الإلزامية في القانون إذاً تعني تحوّله إلى أمر واقع، وبالتالي «علينا تهيئة الأرضية من إنشاء المنصّة لطلب الحصول على تصنيف، وإعداد الخبراء حتى إذا أقرّ القانون نكون جاهزين للتطبيق»، تضيف مرتضى.
لا تصنيف معياريّاً لاستهلاك الطاقة بحسب المناطق الجغرافية


كيف يكون توفير استهلاك الطاقة، وهل الحلول هي كهربائية فقط؟ تؤكّد مرتضى «أنّ القانون يحثّ على خفض استهلاك الكهرباء، إنّما حفظ الطاقة هو الأساس». ففي المرحلة الثانية من تطبيق القانون، يدخل مبدأ تعزيز كفاءة الطاقة في المباني «ما يعني تكاليف مادية إضافية لإدخال تحسينات إنشائية تخفّف من الاستهلاك، ومن ثمّ نذهب إلى استخدام الطاقة المتجدّدة التي ستنخفض كلفتها في حال كان استهلاك المبنى للطاقة قليلاً». أخيراً، ماذا يعني تخفيف الحاجة إلى الطاقة؟ «تعزيز عزل المبنى من خلال إقامة جدران مزدوجة أحد أشكال تخفيف استهلاك الطاقة»، تجيب مرتضى، «تغيير نوعية الإضاءة من خلال استبدال المصابيح الكهربائية، وإضافة عوازل على النوافذ في المناطق الباردة ما يمنع الحرارة من التسرب إلى الخارج، واستبدال الأجهزة الكهربائية في المنازل بأخرى موفّرة للكهرباء».



35% تراجع استهلاك الكهرباء


قال وزير الطاقة والمياه وليد فياض إن رفع الدعم وتحرير أسعار النفط والكهرباء كان خطوة أساسيةً دفعت المستهلك إلى تعديل سلوكه، مشيراً إلى أن لبنان أصبج «أكثر مكان في العالم وعياً لترشيد استهلاك الكهرباء، فانخفضت الحاجة إلى الطاقة من 14 مليار كيلو واط ساعة سنوياً إلى 10 مليار كيلو واط ساعة، ما يعني 35% انخفاض الاستهلاك». ولكن ما يراه الوزير إنجازاً لم يكن ليتحقق من دون إطفاء معامل إنتاج الكهرباء بشكل شبه كامل في 2021 و2022.


25%
من مجمل الطلب الاستهلاكي على الكهرباء في لبنان مستمدّة من الطاقة المتجدّدة في لبنان

1500 ميغاواط
هي القدرة الإجمالية التقديرية لمحطات توليد الكهرباء المنزلية في لبنان التي تعتمد على الطاقة الشمسية