قبل أيام من انطلاق تصوير فيلم «المكسيكي» (كتابة أمجد الشرقاوي، وإخراج حسام سليمان) للممثل الكوميدي أحمد فهمي في شباط (فبراير) الماضي، زلّ لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، ما أدّى لاحقاً إلى تغيير اسم الشريط المنتظر عرضه في حزيران (يونيو) المقبل في موسم عيد الأضحى. ففي إحدى كلماته عن الأوضاع في الشرق الأوسط، وفي معرض حديثه عن الدور المصري في إدخال المساعدات إلى المحاصرين في قطاع غزة، نعت بايدن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس «المكسيكي»، رغم أنّ المكسيك بعيدة كل البعد عمّا يجري في المنطقة. فما كان من مناهضي السيسي إلا أن تلقّفوا «النكتة» ونشروها عبر منصات التواصل الاجتماعي. فالمفارقة تكمن في فيديو سابق شهير لأحد المواطنين البسطاء أخطأ وهو ينطق اسم السيسي قائلاً «المكسيكي». هكذا، ربط معارضو الرئيس بين خطأ المواطن وزلة ساكن البيت الأبيض. لا علاقة إطلاقاً لكل ما سبق بقصة فيلم «المكسيكي» الذي يقدم عبره فهمي شخصية مجرم سبق أن ظهر بها كضيف شرف في فيلم «كازابلانكا» (2019 ــ إخراج بيتر ميمي)، لكن في إطار كوميدي بصحبة لبلبة، وأوس أوس، وحاتم صلاح، وضيف الشرف أحمد السقا. لكن النظام الذي يحاول سد كل ثغرات النيل من شخص الرئيس تدخل من وراء الستار، ما أفضى إلى تحويل اسم الفيلم رسمياً إلى «عصابة المكس»، تفادياً لموجة جديدة من السخرية كانت ستنطلق بكل تأكيد مع عرض العمل جماهيرياً. هذه النظرة الضيقة في التعامل مع الإنتاج الفني المصري باتت راسخة على أكثر من مستوى في السنوات الأخيرة. واللافت أنّ الرئيس نفسه لا يتورع عن إبداء رأيه في أعمال قديمة يعتبرها حتى الآن سبباً في استثارة الجمهور، ما يؤثر على إعادة عرضها على الأقل على القنوات التابعة لـ «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، الذراع الإعلامية للنظام.
فقد سبق أن انتقد الرئيس عبارة أحمد السقا في فيلم «الجزيرة» (إخراج شريف عرفة): «من النهاردة مفيش حكومة... أنا الحكومة». وهي الجملة الشهيرة التي يقولها تاجر مخدرات نجحت الشرطة في القضاء عليه لاحقاً. لكن «الريّس» لم يكمل مشاهدة الفيلم على ما يبدو. وفي سياق آخر، انتقد السيسي فيلم «الإرهاب والكباب» (إخراج وشريف عرفة) واعتبره نموذجاً لـ «تسخين الشعب ضد الدولة». وعبر السوشال ميديا، انتشر في السنوات الأخيرة مؤدٍّ كوميدي اسمه «محمود السيسي». لكن عندما استعين به في أحد مسلسلات «المتحدة»، تغير اسمه في التترات إلى «محمود محيي الدين» منعاً للالتباس مع اسم نجل الرئيس.
ويتردد بقوة أنّه من أسباب اختفاء مشروع فيلم «سري للغاية» الذي كتبه وحيد حامد وأخرجه محمد سامي قبل نحو ثماني سنوات ودار حول كواليس إزاحة حكم الإخوان المسلمين، عدم إعجاب الرئيس شخصياً بالنتيجة النهائية للشريط الذي قُدِّم مضمونه برؤية أخرى في الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار». وفيه، جسد الممثل ياسر جلال شخصية الرئيس، فيما جسده في الفيلم أحمد السقا.
لا تقف الحساسية في التعامل مع المنتج الفني عند حدود تفاصيل مرتبطة بشخص الرئيس، بل يصل الأمر إلى حدّ إعطاء كل جهة في الدولة حق مراجعة الأفلام والشخصيات التي تتناولها، وكأن الرقابة الرسمية استحالت سكرتارية ترفع السيناريوات إلى الجهة المعتمدة. ويُحكى أنّ وزارة الداخلية على سبيل المثال لا توافق على أي عمل يظهر فيه ضابط شرطة يعاني من مشكلات أسرية، وأنّ شخصيات الضباط يجب أن تكون مثالية في العمل وخارجه، ولا مجال لظهور ضابط شريف وضابط فاسد في العمل نفسه. كما يتم أحياناً الاعتراض على أي مشاهد تتطلب مشاركة مئات الممثلين لتجسيد تظاهرة أو إضراب، ليس لأنّهم ضد فكرة التظاهر في الأعمال الفنية ولكن لأنّ وجود هؤلاء في موقع التصوير نفسه قد يسبب مشكلات ويحتاج إلى تأمين. كل ما سبق ربّما يفسّر تعثّر مشاريع أفلام عدّة في أروقة الرقابة، سواءً قبل تصويرها كما حدث مع سيناريو قدمته المخرجة هالة خليل قبل سنوات ولم يمرّ أبداً، أو الأنكى من ذلك ما حدث مع المخرج محمد أمين الذي بدأ تصوير فيلمي «التاريخ السري لكوثر» و«أصل الحكاية» اللذين لا يزالان مجهولي المصير، ومن غير المعروف ما إذا كانا سيعرضان جماهيرياً أم سيدخلان الفجوة نفسها التي غاب فيها شريط «سرّي للغاية».