بالتوازي، وعلى مستوى مواكبة المعركة لأوّل مرّة، شهد الفعل الميداني للمقاومة تزامناً لحظياً مع إعلاناتها وبلاغاتها العسكرية، ليصير الفلسطينيون وجمهور الاحتلال وحتى صحافيّوه ومحلّلوه يسمعون ويشاهدون مباشرة الضربات التي توجهها المقاومة بدقة، من دون القدرة على إخفائها أو التشكيك فيها. أيضاً، استطاعت الأذرع الإعلامية العسكرية للفصائل مواجهة الحرب النفسية لجيش الاحتلال الذي حاول تقديم روايات عن كسره المقاومة وتوجيه ضربات موجعة إليها، بل استعمل إعلامه للمناورة في الميدان، وهو ما كسر قابلية الفلسطينيين لتلقّي دعاية العدو، الذي فوجئ بالرسائل الإعلامية المركّزة والمتواترة للمقاومة، والتي أربكت المستويَين السياسي والعسكري لديه، ووجّهت ضربة كبيرة إلى جبهته الداخلية.
أدّى المتحدّثون العسكريون دوراً مهمّاً، ولا سيما «أبو عبيدة» و«أبو حمزة»
في هذا الإطار، يقول حيدر المصدّر، وهو خبير دعاية، على صفحته على «فايسبوك»، إن «من نتائج المعركة الحالية فشل منظومة الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) وعدم قدرتها على مجاراة المدّ الدعائي الهائل للفلسطينيين». وفعلاً، ظهر جليّاً التفوق الكبير للمقاومة في الخطاب الإعلامي والبيانات العسكرية، ما جنّد أبناء الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي خلفها، وحرّك الجمهور في الضفة والقدس والـ 48 بصورة تفاعلية معها. ومن الملاحظ أيضاً أنه للمرّة الأولى تتّفق مختلف الفصائل على توحيد اسم المواجهة مع الاحتلال، لترفع جميعها في إصداراتها وبياناتها عنوان «معركة سيف القدس»، في مشهد وحدوي أكد الاتفاق الفلسطيني الشامل على هدف المواجهة، وكسَر ما حاول الاحتلال زرعه من فرقة على مدى عقدين.
على الصعيد العملاني، أظهر الإعلام الحربي أو العسكري، كما يسمّيه كلّ فصيل، قدرة تقنية وفنّية على تصدير البيانات وفيديوات إطلاق الصواريخ والعمليات وفق أساليب علمية تبرز أهمية الفعل. وما يميّزها هذه المرّة، الاحترافية العالية التي وسمت إصدارات مختلف الفصائل، من حيث جودة الصورة والصوت والرسالة التي تحملها. لكن أيضاً لم يغفل هذا الإعلام دور الدفاع الذي تقوم به المقاومة، فضلاً عن التركيز على ربط جبهة غزة بالجبهات الفلسطينية الأخرى، لتُذيَّل جميع البلاغات والإعلانات بأنها تأتي ردّاً على جرائم الاحتلال بحق المدنيين في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل.
جميع ذلك يشير بوضوح إلى قوة رسائل المقاومة، التي حملت تقدّماً في الحرب النفسية، وبدا أنه تمّ إعدادها وصياغة مضامينها قبل المواجهة على أيدي مختصّين وخبراء، ما يعطي إشارةً واضحة إلى مستوى التطوّر الذي بلغته، وترك أوضح الأثر على إدارة إسرائيل للمعركة التي شابها الكثير من التخبّط والإرباك، إضافة إلى مستوى الضعف الذي اعترى المجتمع الإسرائيلي وجبهته الداخلية. والمراقب لجمهور الاحتلال يكتشف أن سكّان المدن المستهدفة، وبخاصة في «غلاف غزة» وحتى منطقة المركز وتل أبيب، لم يتردّدوا في الاستماع إلى المقاومة، بل انتظروا تعليماتها بالخروج من الملاجئ أو البقاء فيها. وفي وقت لاحق، عمل الخبراء التقنيون على بثّ رسائل «كتائب القسام»، ونقل الصورة الحقيقية للمعركة إلى الجمهور الإسرائيلي بفئاته كافة.
اللافت أن المتحدثين العسكريين باسم الفصائل أدّوا دوراً مهمّاً في هذه المعركة، وخاصة «أبو عبيدة» (القسام) و«أبو حمزة» (سرايا القدس)، لتُولّد تصريحاتهم صدى كبيراً على جميع المستويات، وكذلك في الانتقال بين تكتيكات المعركة مع الاحتلال بسلاسة، عبر ظهورهم المدروس الذي يعطي لبياناتهم أهمية ويجعل جمهور الاحتلال ينتظر ما سيقولونه. كما دفعت قدرات المقاومة العسكرية والضخّ الإعلامي الذي تمارسه على الجبهة الداخلية للاحتلال، محلّليه وإعلاميّيه، إلى محاولة رفع معنويّات المستوطنين، فيما عمد المتحدث باسم الجيش باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، لأول مرة إلى اتخاذ وضعية دعاية دفاعية، تحاول إبراز صلابة الجبهة الداخلية، ما يعني أن حرب المقاومة النفسية والإعلامية قد تجاوزت حدوداً لم تبلغها من قبل، وأنها حفرت عميقاً في جدار وعي الإسرائيليين، وفق مختصّين.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا