أمّا الهجوم الصاروخي على مدينة إدلب، والذي جاء ردّاً على هجوم كرمان، فوصف بأنه الأطول مدى الذي نفّذته إيران إلى الآن، حیث كانت المسافة بين مكان إطلاق الصواريخ ومكان سقوطها 1200 كيلومتر. وبناءً على ذلك، اعتبرت أوساط إعلامية وسياسية إيرانية، الضربة بمثابة علامة على قدرة إيران على مهاجمة أهداف في إسرائيل بشكل مباشر. على أن الهجوم الأكثر إثارة للجدل، هو ذاك الذي شنّه «الحرس الثوري» في مدينة أربيل العراقية، إذ قال إنه استهدف فيه «مقرّ التجسّس» التابع لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد»، بـ»صواريخ باليستية»، وذلك ردّاً على «استشهاد قادة الحرس الثوري الإيراني وجبهة المقاومة» على يد إسرائيل، في إشارة إلى الاغتيالات الأخيرة التي نفّذتها إسرائيل، وطاولت كلّاً من القائد في «الحرس» سيد رضي موسوي، في سوريا، والقيادي في «حماس» صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، والقائد الميداني في «حزب الله» اللبناني»، وسام طويل، في جنوب البلاد.
كانت المسافة بين مكان إطلاق الصواريخ ومكان سقوطها في إدلب 1200 كيلومتر
ولا يوضح إعلان «الحرس الثوري» الموقع الدقيق للمقرّ الذي تعرّض للهجوم، علماً أن التقارير أشارت إلى استهداف ثمانية مواقع مختلفة في أربيل. ومن جهتها، ذكرت وكالة «رويترز» أن دويّ الانفجار سُمع في منطقة تبعد نحو 40 كيلومتراً شماليّ شرقيّ أربيل، وبالقرب من القنصلية الأميركية، لكن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن المباني والمنشآت التابعة لهم لم تكن هدفاً للهجوم. وأفادت مصادر في إقليم كردستان العراق، عن مقتل 4 أشخاص، من بينهم بيشرو دزيي، وهو رجل أعمال مشهور في الإقليم، ذكرت مصادر إخبارية قريبة من «الحرس» أنه كان على علاقة وثيقة مع «الموساد»، وشارك في بيع النفط لإسرائيل، وإصابة 6 آخرين في هذا الهجوم الصاروخي.
وعلى هذه الخلفية، دان رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، هذه الهجمات، ووصفها بأنها «غير مبرّرة»، وأنها تمثّل «انتهاكاً واضحاً لسيادة العراق وإقليم كردستان»، فيما اعتبرها الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، «جزءاً من العقاب العادل للجمهورية الإسلامية ضدّ مَن ينتهك أمن البلاد».
ووفق مصدر أمني مطّلع في إيران، تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «هذه العملية جاءت نتيجة عمل استخباري مكثّف لوحدة الاستخبارات التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووحدة الاستخبارات الخارجية التابعة لوزارة الأمن». وأضاف: «جرى اختيار الأهداف بدقّة شديدة. ومن جنوب محافظة خوزستان، تم استهداف مدينة إدلب السورية لتحذير العدو من القوّة العسكرية ومدى الصواريخ». وبحسب هذا المصدر، فقد اتّخذ القرار باستهداف الأماكن الواقعة بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل، من دون وقوع أضرار في القنصلية. وكانت هذه أيضاً رسالة واضحة إلى العدوّ بأنّنا لا نسعى إلى الحرب، ولكن لدينا جاهزية دفاعية عالية».
وهذه ليست المرّة الأولى التي تستهدف فيها إيران مناطق في شمال العراق؛ ففي العام الماضي، استهدفت مراراً وتكراراً المناطق التي كانت مقراً لمجموعات الميليشيات الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان. وفي ربيع عام 2022، أعلنت إيران أنها استهدفت أحد مقارّ «الموساد» في أربيل.
وأتت الضربات الأخيرة في خضمّ انتقادات في البيئة الداخلية الإيرانية تتعلّق بعدم ردّ طهران المباشر على تصرّفات إسرائيل. ويبدو أن أحد أهداف هجمات «الحرس»، التأكيد أن سياسة إيران المتمثّلة في «الصبر الاستراتيجي»، وتجنُّب الدخول في حروب شاملة، لا تعني الجمود والصمت. كما جاءت هذه الهجمات بالتزامن مع تكثيف حركة «أنصار الله» اليمنية، عملياتها ضد السفن المتّجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، على رغم الهجمات الأميركية - البريطانية على أهداف في اليمن. وفي الوقت نفسه، تواصل فصائل المقاومة في العراق هجماتها على المواقع الأميركية في كل من العراق وسوريا، فيما يكثّف «حزب الله»، من جهته، ضرباته على قواعد الجيش الإسرائيلي. والواقع أن هذه التطوّرات مجتمعةً تشير إلى أن محور المقاومة قرّر تكثيف تحرّكاته للضغط على إسرائيل ومن ورائها أميركا لوقف الحرب في غزة.