يمكن تفسير هذه التحركات على أنها محاولة لكسب ثقة الأكراد من جديد من أجل مساعدتهم في الاستفادة من آبار النفط، وتخفيف الضغط الداخلي على ترامب عبر إظهار عودة التعاون. وإذا صدقت التوقعات بانتشار أميركي واسع من القامشلي حتى المالكية، سيعني ذلك حُكماً عرقلة التفاهم العسكري بين «قسد» ودمشق، الذي قضى بانتشار الجيش السوري من اليعربية حتى أطراف رأس العين، على امتداد يتجاوز 150 كلم، كما سيؤثر في مسار التفاهم الروسي ــــ التركي، وسيدفع أنقرة إلى التصعيد من جديد. ويمكن تلمّس التعويل الكردي على عودة الدعم الأميركي من تأكيد القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، أنه «أجرى محادثات مع الأميركيين»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة عرضت ضمانات جديدة، لكن هناك بطء في ترجمتها على الأرض».
في المقابل، ترى مصادر سورية ـــ على تواصل مع قوات «التحالف الدولي» في الشمال ــــ أن «التحركات الأميركية في صرّين والقامشلي والرقة هي لإتمام انسحاب التحالف من تلك المناطق، وإخلاء النقاط والقواعد فيها»، مؤكداً أن «التحالف سيبقى في محيط منابع النفط والغاز في ريف دير الزور، ورميلان والشدادي في ريف الحسكة». وقد انسحب أمس رتل أميركي من صرّين بعدما دخل منذ أيام إلى قاعدة صرين التي كان قد انسحب منها سابقاً. وتشير المصادر العسكرية إلى أن القوات المنسحبة كان وجودها مرتبطاً بعملية اغتيال زعيم تنظيم «داعش»، أبي بكر البغدادي، الأسبوع الماضي. ومع صعوبة التنبؤ بالخريطة النهائية للانتشار الأميركي، المحسوم حتى الآن هو التمركز في محيط منابع النفط في ريفي الحسكة ودير الزور، مع انسحاب تام من كامل المناطق الأخرى.
بالتوازي مع النشاط الأميركي، تسعى موسكو الى استغلال الفراغ الذي تركه الأميركيون للاستحصال على نفوذ واسع في الشمال، عبر تجهيز مركز تنسيق وآخر لقيادة العمليات في عين عيسى والقامشلي، مع ورود معلومات عن احتمال تحليق الطيران الروسي شمالاً بعد إتمام الانسحاب الأميركي. كما أن موسكو تريد استغلال نفوذها الجديد هناك لضبط العمليات العسكرية على الحدود، وإنجاز هدنة طويلة تمكّنها من إنجاز اتفاق يخفف التصعيد التركي، ويقرّب بين الأكراد ودمشق، وصولاً إلى إعادة كامل مناطق «قسد» إلى سيطرة الدولة السورية. ورغم النشاط الروسي، على خط «أنقرة ــــ دمشق ــــ قسد»، فإنه لا يلقى صدىً كافياً لدى الأكراد الذين يبدون قلة ثقة بالروس كضامن لأي اتفاق، وهو أيضاً ما أكده عبدي في تصريح لصحيفة «لايبوبليكا» الإيطالية، قال فيه إنه «يجب اتخاذ المنهج السياسي مع روسيا والنظام السوري، رغم أنه لا يوثق بهم»، مضيفاً إنه مع ذلك «لا يمكن حل المشكلة السورية إلا إذا اعتمدنا النهج السياسي». وقال: «المفاوضات لا يمكن أن تتم دون ضمانات صلبة من المجتمع الدولي برمّته، بما فيه أوروبا».
تشهد حقول النفط والغاز في ريف الحسكة نشاطاً للقوات الأميركية
في السياق، يعلّق مصدر سوري معارض، في حديث إلى «الأخبار»، على الجهود الروسية والموقف الكردي منها، بالقول إنها «تكشف عن عدم صدق نيات كردية في تطبيق أي اتفاق»، مشيراً إلى أن «تركيا ستقضي على أي وجود عسكري كردي، سواء كان للوحدات أو قسد أو الأسايش في كامل المنطقة الآمنة». ويضيف المصدر: «أبلغت أنقرة وجهاء العشائر في الرقة ودير الزور أن العمليات العسكرية ستمتدّ إلى مناطقهم لإعادة المهجّرين، وإعادة حقول النفط إلى أصحابها»، ولذلك «تعويل الأكراد على واشنطن وحتى موسكو لن ينفعهم»، ناصحاً قادتهم بـ«إلقاء السلاح، والعودة إلى الحياة المدنية». كما استبعد أي مواجهة واسعة مع قوات الجيش السوري «بسبب وجود الضامن الروسي المنسق بين الطرفين»، لافتاً إلى أن «توسيع سيطرة الجيش سيمهّد لحل سياسي يحافظ على وحدة الأراضي السورية».
القافلة الأولى منذ سبع سنوات
قادمة من ريف الرقة، وصلت قوات الجيش السوري أمس إلى ريف الحسكة الشمالي الغربي، لتكون هذه أول قافلة عسكرية تعبر إلى الحسكة براً منذ أكثر من سبع سنوات. ويحوز التواصل البري بين القوات السورية أهمية استراتيجية لجهة تمكين الجيش من إمداد قواته في الحسكة، وإيصال أسلحة ومعدات ثقيلة إليها، ما سيسهم في تعزيز القدرة القتالية للوحدات التي انتشرت أخيراً في ريف الحسكة والشريط الحدودي، من أجل مواجهة الهجمات التركية، مع ما يعني ذلك من تسهيل لمهمة استعادة النفوذ السوري على مناطق إضافية من الشمال والشرق.
(الأخبار)