«بوابة يانوس» لبعلبكي، عمل يحمل اسم إله البوابات والمداخل والطرق والممرات في الميثولوجيا الرومانية. عنه يقول التشكيلي اللبناني: «بنيت عملاً تتعايش فيه مساحتان: خارجية مضيئة، وداخلية تتطابق مع كل الأحياء الفقيرة في العالم». يستمدّ بعلبكي فكرة عمله أيضاً من مفهوم «الأماكن الأخرى» عند فوكو، باعتبار بيروت مكاناً وزماناً مغايرين في وقت واحد، إلى جانب «يانوس، الإله الروماني ذي الوجهين، الذي ينظر إلى الداخل والخارج، الماضي والمستقبل».
في فيديو عُرض خلال مؤتمر صحافي عُقد في «متحف سرسق» الأسبوع الماضي للإعلان عن مشاركة لبنان في البينالي، يقول بعلبكي إنه للمرة الأولى يعرض لوحة يستطيع المتلقّي الدخول إليها بشكل ظاهر. هي ثلاثية الأبعاد، ليست أبعاداً مكانيّة فقط، بل زمنية أيضاً. في الواجهة، يعرض لوحة ملوّنة يشبّهها باللوحات الإعلانيّة التي يضعها المهندسون أمام مشاريع البناء الفارغة مثل تصوّر لمشروع البناء النهائي، ما يحيلنا إلى التفكير في أننا أمام عمل مستقبلي لا يحمل الكثير من التفاؤل لوجه المدينة الآتي.
وكانت غندور قد وصفت بيروت خلال المؤتمر بأنها مدينة عالمية تؤدي دور المسرح في البينالي، بمعنى أن عربيد وبعلبكي لن يمثّلا لبنان في المعرض، بل سينقلانه إلى المعرض. يصنع الاثنان من بيروت الكبيرة، بيروتاً مصغّرةً داخل مساحة لا تتعدّى 150 متراً مربّعاً. وتكمل المعمارية ألين أسمر العملين ببناء شكل هندسي للجناح يشبه الصدفة البيضاوية، أطرافها قوية وصلبة للدلالة على النهضة والوحدة للمدينة التي صارت أكثر المدن تفكّكاً اليوم. مدينة دائريّة، حيث الوقت ليس خطاً مستقيماً.
يظهر الإنسان كتفاصيل من الملابس عند بعلبكي، وفي صوت الأم في فيلم عربيد
يتصادى الشكل البيضاوي للجناح، مع «بيضة» المعماري جوزيف فيليب كرم (1923 ــ 1976) وسط المدينة... هذا المبنى الذي صمّمه أحد روّاد عمارة الحداثة في لبنان، كان يُفترض أن يكون أول «مول» في الشرق الأوسط عام 1965. كذلك، يرتبط الشكل بمبنى «معرض رشيد كرامي الدولي» الذي صمّمه المعماري البرازيلي الرائد أوسكار نيماير (1907 ـــ 2012) في طرابلس. من هنا يحمل شكل البيضة معانيَ اقتصادية وفنية وثقافية، ويذكّر بدور ريادي قديم عاشته المدينة في عصرها الذهبي، قبل أن ينتهي المبنيان إلى أطلال وتسير مكانة بيروت الاقتصادية والثقافية نحو المصير نفسه.
عنوان «العالم على صورة إنسان» يقترح علينا شكلاً عالمياً لأزمة شديدة الخصوصية يعيشها لبنان، لكنه يدفعنا إلى التساؤل: مَن يشبه الآخر؟ هل تحمل المدينة صورة إنسانها أم العكس؟ يظهر الإنسان كأثر في تصميم الجناح نفسه، وكتفاصيل من الملابس والكلمات والغرافيتي والألوان والرسومات والمواد المختلطة المشوّشة عند بعلبكي، أو في صوت الأم المتجوّلة في شريط عربيد.