في مقابل الصمت الاستخباري والسياسي، حاول المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن يرفع الصوت خارج إطار الطوق المفروض حول الواقع المُقلِق في الأردن، بإعلانه أنه «أحياناً مطلوب شخص من الخارج، خارج المؤسسة السياسية الأمنية ليقول ما لا تستطيع المؤسسة الإسرائيلية قوله بصوت عالٍ». وانطلاقاً من أن «الأردن هو الحلقة الأضعف»، وفق توصيف «هآرتس»، يُحتمل أن «تؤدي الأزمة بين السلطة الفلسطينية وواشنطن في شأن صفقة القرن إلى عدم استقرار في عمّان وزعزعة النظام».
في هذا السياق، حذّر السفير الإسرائيلي السابق في الأردن، عوديد عيران، من «إشارات مقلقة» لعدم الاستقرار في المملكة، ومن «التوتر مع إسرائيل بعد الصفقة»، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على المنطقة كلها، وعلى إسرائيل خاصة. ورأى عيران، وهو باحث في «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، أن «لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على استقرار الأردن»، مشيراً إلى أن «التطورات في الشرق الأوسط في العقد الأخير عزّزت هذه المصلحة، وإضافة إلى ذلك يوجد لإسرائيل تأثير كبير في قدرة الأردن في مواجهة قسم من التحديات الماثلة أمامها».
ترى عمّان أن دول الخليج لا تفهم بعمق الفلسطينيين واعتباراتهم
عيران تناول جذور حالة اللااستقرار في الأردن: «منذ تأسيسه، واجه مشكلات اقتصادية حادة تنبع من عدم وجود موارد طبيعية ومصادر دخل محلية أخرى، وأيضاً بسبب استيعابه موجات لاجئين كبيرة، ما دفعه إلى الاعتماد على قروض بمبالغ كبيرة من دول ومؤسسات دولية». وشرح أن من المشكلات «الوضع الاقتصادي الصعب، ونسبة البطالة المرتفعة، حيث النسبة العامة 18%، بينما ترتفع بين الجيل الشاب إلى أكثر من 42%». ووفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، فإنه على رغم استقرار الوضع في سوريا، إلا أن الأردن لا يزال قابلاً للاشتعال والتأثر بتطورات غير متوقعة، إلى جانب الارتفاع في أسعار النفط وتقليص مصادر الاعتماد الدولي التي من شأنها المسّ باحتياطي العملة الأجنبية لدى المملكة ورفع نسبة التضخم فيها.
وسط ذلك، يأتي الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني الذي يعصف بالرأي العام الأردني ويشغل الملك، مضافاً إليه الأوضاع المتوترة في القدس. هنا ينبّه عيران إلى أن من شأن قرار بفرض القانون الإسرائيلي على أجزاء من الضفة المحتلة، مثل «ضمّ المنطقة C»، أن يجعل الأردن «يقف على رأس المعسكر العربي الذي سيدعو المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بهذه الخطوات، والتنديد بإسرائيل، وربما فرض عقوبات عليها إذا لم تتراجع». أما عن «صفقة القرن»، فحذر السفير السابق في الأردن من أنها ستُعزِّز التقديرات المتشائمة حيال الوضع في المملكة، مشيراً إلى أن تكرار الملك عبد الله الثاني رفضه أي حل للصراع، باستثناء حل الدولتين على أساس «حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية»، يهدف إلى «إسكات أولئك الذين يهمسون في الغرف المغلقة في عمّان بأن مساعدة أميركية سخية ستليّن رد فعل الملك». وتناول عوديد عوامل توتر كثيرة خلال الأشهر المقبلة؛ فبالإضافة إلى جمود المفاوضات الإسرائيلية ــــ الفلسطينية، والتوتر في «جبل الهيكل» (الحرم القدسي)، ثمة تداعيات سيفرضها إعلان الأردن أن الترتيبات بين الدولتين حول منطقتَي الباقورة والغمر لن تُستأنف، وأخرى ستولّدها محاولات إسرائيل ضمّ مناطق في «يهودا والسامرة» (الضفة)، فضلاً عن عدم الاتفاق حول قناة البحرين بين البحر الأحمر والبحر الميت، والانتقادات الأردنية المتواصلة لصفقة الغاز مع إسرائيل، و«صفقة القرن» الأميركية طبعاً، و«هذه قائمة يهدد كل واحد من بنودها جوهر ومضمون العلاقات»، كما يقول.
وتعليقاً على تحليل عيران، رأى المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنه قريب من توقعات وزراء الحكومة وأعضاء «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت) الذين يستمعون على الدوام إلى تقديرات المؤسسة الأمنية، ويطلعون على المخاوف من آثار مبادرة دونالد ترامب، عبر علاقاتهم مع مسؤولين أردنيين. ويلفت هرئيل إلى أن الأجواء في عمّان تفيد بأن دول الخليج لا تفهم بعمق الفلسطينيين واعتباراتهم، ولذلك تنفخ لدى الأميركيين والإسرائيليين آمالاً عبثية، حول إمكانية التقدم في اتفاق من دون معالجة قضية القدس. ولمواجهة هذا التحدي، اعتبر عيران أن هذا الوضع «يستوجب تفكيراً استراتيجياً إسرائيلياً، إلى جانب استعداد أردني وإسرائيلي للامتناع عن خطوات استفزازية، على رغم الضغوط الداخلية في الدولتين. كذلك، يستوجب الوضع إجراء حوار شامل بينهما، وعلى مستوى رفيع، بهدف التوصل إلى تسوية كاملة للعلاقات».